يتابع الجميع بإعجاب تطور ونمو الاقتصاد الصيني. لكن هناك وجها آخر لهذا الاقتصاد تحذر من احتمال وصوله إلى ما يطلق عليه «حال الغليان»، وهو الحال الناجمة عن المشكلات التي تتولد عن حالات النمو المستمر، من جهة والتراخي في السيطرة على جودة المنتجات من ناحية أخرى.
فعلى رغم أن التصريحات الرسمية التي أصدرتها مصلحة الدولة للإحصاء يوم 16 يوليو/ تموز الماضي توضح ان الاقتصاد الصيني ظل يحافظ على نمو مستقر ومتسارع نسبيا في محاولة لتجنب الارتفاع الشديد والهبوط الكبير اللذين قد يظهران. لكنه وعلى نحو مواز، و في 23 من الشهر ذاته ذكر الرئيس الصيني هو جين تاو أنه على رغم أن الاقتصاد الصيني يسير في الاتجاه الصحيح كما هو متوقع له من صناع السياسة الاقتصادية، لكنه ألمح إلى أن «الانجازات التي حققتها الصين في ضبط الاقتصاد الكلي ما زالت أولية. وحذر من ان المشكلات البارزة التي تواجه الاقتصاد لم تقتلع من جذورها وان إجراءات ضبط الاقتصاد الكلي يجب الا تتوقف في منتصف الطريق».
ولعل أول تلك المشكلات ما أشارت إليه أرقام رسمية صدرت أخيرا عن المكتب القومي للإحصاء في بكين أن معدل نمو الاقتصاد الصيني قد بلغ 11.9 في المئة في الربع الثاني من العام 2007 ، في حين صعد تضخم أسعار المستهلك بنسبة 4.4 في المئة في يونيو/ حزيران. والارتفاع القوي والمفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي ومؤشر أسعار المستهلك والذي جاء على رغم سلسلة الإجراءات الحكومية المتشددة على مدى العام الماضي قد غذى المخاوف من أن بعض قطاعات الاقتصاد الصيني على الأقل أصبحت تواجه خطر الغليان، بمعنى خروج النمو عن السيطرة وتحوله إلى عامل يذكي الاختناقات والتضخم بما يؤدي في نهاية المطاف إلى الركود.
ووجه المتحدث باسم المكتب القومي للإحصاء زياتشاو، أصابع الاتهام في ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك إلى الصعود في أسعار المواد الغذائية، قائلا إن أسعار السلع الأخرى قد بقيت مستقرة. يشار إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 7.6 في المئة في النصف الأول من العام الجاري بدافع جزئي من القفزة البالغة نسبتها 20 في المئة في كلف منتجات مثل اللحوم والدواجن.
ولكن على رغم تصريحات زياتشاو المتفائلة، فقد بات من المحتمل أن يضيف أداء الاقتصاد الصيني في النصف الأول من هذا العام زخما إلى التوقعات التي ترجح المزيد من سياسة التشديد النقدي والمالي مثل الإقدام على زيادات إضافية في أسعار الفائدة وعلى تشديد شروط الاحتياطي من السيولة لدى البنوك.
وتنقل صحيفة «الفاينانشيال تايمز» عن زياتشاو قوله «إن إصدار حكم بشأن ما إذا كان الاقتصاد الصيني يواجه خطر الغليان يتعين أن يتم بصورة شاملة»، مضيفا أن العرض قد تجاوز الطلب بالنسبة الى الكثير من المنتجات وأن الأسعار في بعض قطاعات الاقتصاد، كقطاع النقل، قد شهدت في واقع الأمر انخفاضا ملموسا.
آلفن توفلر، وهو من أشهر الاقتصاديين المستقبليين يتحدث عن المخاطر التي تحف بالاقتصاد الصيني بقوله «بينما يبدو العالم بأسره وكأنه يعتقد أن شوارع الصين مرصوفة بالذهب أو الفضة على الأقل، وأن جودة منتجاتها في تصاعد مستمر، يلاحظ أن الصين تصدّر للعالم منتجا واحدا يلفه كثير من الشك والغموض. وربما يكون هذا المنتج باهظ التكلفة للخزانة الصينية، إن لم يكن يلحق ضررا بالغا بالاقتصاد العالمي بمجمله.»
وينقل توفلر عن مجلة «بيزينس ويك» وصفها الأرقام المنشورة عن ذلك الاقتصاد بـ»الزيف» وبأنه «مجرد وهم وأضغاث أحلام».
بعض المصادر بدأت تلقي المزيد من الأضواء عن الجودة في الصناعات الصينية، التي يبدو أنها هي ليست صورة جميلة، فبعيدا عن الاقتصاد المنضبط والمراقب رقابة قوية، كشفت الفضائح المتواصلة عن نظام يميل نحو الفوضى في الغالب، وتسوده معايير متراخية تضعف فيه سلطة الحكومة الاقتصادية نظرا للإصلاحات السريعة والإجراءات المتشعبة بصورة كبيرة جدا.
ومع ان فضائح التصدير مازالت جديدة إلا ان المستهلكين الصينيين تضرروا مدة طويلة إلى حد ان خسائرهم وصلت إلى درجة مذهلة. فقد القي اللوم على مضادات حيوية مزيفة تم إنتاجها في انهوي، في ست وفيات وسقوط 80 مريضا عام 2006. وفي 2004، قتل حليب أطفال صيني غير آمن 50 رضيعا على الأقل وخلف 200 آخرين مصابين بسوء تغذية شديد، وفقا لتقارير وسائل الإعلام. وتأثرت جميع أصناف السلع، من السكاكر، التي أدت إلى اختناق الأطفال، إلى الألعاب النارية القاتلة إلى كريمات الوجه السامة. ويعاني 300 مليون مواطن صيني على الأقل ــ أي ما يساوي عدد سكان الولايات المتحدة تقريبا ــ من الأوبئة (المتأصلة في الأغذية) سنويا طبقا لتقرير صدر أخيرا عن بنك التنمية الآسيوي ومنظمة الصحة العالمية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ