هل بالإمكان الحصول على جنسية بلد ما من دون معرفة تاريخ ذلك البلد، ومن دون الشعور بالاعتزاز بالجوانب المضيئة لتاريخ البلد؟ هذا السؤال مطروح في عدة بلدان، والنقاش بشأنه متنوع ومتشعب... وتتجه أكثرية البلدان حاليا إلى الاطمئنان بأن من يحمل جنسية البلد فإن عليه أن يعرف المعالم الرئيسية لتاريخ المجتمع الذي سينتمي إليه وأن يحترم ما يحترمه ذلك المجتمع وأن يبتعد عما يسيء لسمعة ذلك البلد.
ونحن في البحرين بحاجة إلى طرح هذا السؤال ومناقشته بتوسع لأن المجنسين أصبحوا يمثلون ما بين 15و20 في المئة من المواطنين، وهذه النسبة مرشحة للزيادة المتسارعة مع استمرار برامج التجنيس من كل حدب وصوب.
السؤال: هل هؤلاء المجنسون يعرفون تاريخ البحرين؟ وهل يشعرون بالافتخار بالمعالم المضيئة من تاريخ بلادنا؟ وهل يتحدث هؤلاء بلغة قريبة من اللغة المستخدمة في البحرين؟ وهل لدى هؤلاء طموح لمستقبل البحرين يناسب مصالح المجتمع البحريني الأصلي؟
هذه الأسئلة وغيرها مهمة جدا إذا أردنا أن نحافظ على عراقة البحرين، ذات التاريخ الممتد من عصر «دلمون» قبل خمسة آلاف سنة، والمتواصل مع «تايلوس»، ومع البحرين التاريخية التي امتزجت مع شرق الجزيرة العربية، ومع البحرين ذات الأثر العلمي والتراثي الغزير، ومع البحرين المستقلة، ومع البحرين المعاصرة، ومع بحرين المستقبل.
إن من أكثر البلدان تجنيسا في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، ولكن في أميركا يؤمنون بثقافة مشتركة يطلقون عليها «البوتقة المنصهرة»، بمعنى أن كل الإثنيات والقوميات الجديدة عليها أن تنصهر في البوتقة الأميركية، وأن يلتحف كل شخص يحمل الجنسية الأميركية بالهوية الأميركية، وأن يحترم نضالات الشعب الأميركي بدءا من حرب الاستقلال في 1776 ومرورا بتحرير العبيد في القرن التاسع عشر، وحركة الحريات المدنية في ستينات القرن الماضي، وكل حقبة تاريخية تعتبر من مكونات المجد الأميركي.
غير أن ما نلحظه هو العكس في بلادنا، ففي تلفزيون البحرين يمنع - بشكل أو بآخر - التحدث بعدد من لهجات البحرين، ويسمح إلى لهجات أخرى من خارج البحرين، كما أن الإنتاج الفني باللهجة البحرينية يكاد يكون مطاردا، كما هو الحال مع إنتاجات الكوميدي البحريني علي مهنا، الذي ينتظر سنة كاملة لكي يحصل على ترخيص لأحد أشرطته بعد أن تُفرض عليه شروطٌ قاسيةٌ هنا وهناك... كل ذلك لأنه يتحدث بلهجات بحرينية أصبحت في القائمة السوداء لدى البعض. المشكلة في هذا التوجه هي أن البحرينيين (السنة قبل الشيعة) سيصبحون غرباء في وطنهم، والآخرون الذين تسلموا الجنسية بأسهل من شرب الماء ستصبح لهم السيادة الكاملة في كل شيء بما في ذلك اللهجة والعادات والتقاليد، ولربما نصبح في يوم من الأيام لنجد تاريخا جديدا من صنع الخيال، وربما تتم معاقبة أهل البلد الأصليين (من السنة قبل الشيعة) إذا اعترضوا على تفاهات ليس لها أصل في تاريخنا.
إنني لست ضد التجنيس الطبيعي ولست ضد تجنيس ذوي الكفاءات ومن خدموا البحرين، ولكن علينا أن نكون مثل غيرنا من بني البشر، وأن نحافظ على هويتنا وتاريخنا... وعندها مرحبا بمن ينخرط وينصهر في أوساطنا (السنية والشيعية)، ولكن ليس العكس.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ