في شهر مارس/ آذار ارتفعت الأسعار بأكثر من 50 في المئة ملازمة مع دخول زيمبابوي في جحيم التضخم المنفلت. وقد أتبع ذلك في 26 أبريل/ نيسان تخفيض العملة الرسمية للدولار الزيمبابوي بمقدار 98 في المئة. عمال المناجم والمزارعون ووكلاء السياحة والمنظمات غير الحكومية والسفارات ومواطنو زيمبابوي الذين يعيشون في الخارج يستطيعون الآن شراء 15000 دولار من زيمبابوي بدولار أميركي واحد. وبالنسبة لآخرين يظل سعر الصرف الرسمي 250 دولارا زمبابويا مقابل الدولار الأميركي.
لذلك وبحيازة ورقة مئة دولار يستطيع السائح الآن تحويلها إلى 1.5 مليون وحدة من وحدات بنك زيمبابوي المركزي، بدلا من 25000 وهو السعر السابق لصرف الدولار. وفي السوق السوداء يستطيع السائح نفسه أن يفعل أحسن من ذلك، إذ يحصل على 3.5 ملايين دولار زيمبابوي مقابل 100 دولار أميركي.
الدمار الاقتصادي نتيجة عقد من التضخم الجامح، والأعلى في العالم، تحول إلى انفلات تام واضح كل الوضوح. فقد بدأ اقتصاد زيمبابوي بالانفجار داخليا، وأصبح البنك المركزي عاجزا عن الدفع، وأصبح عمال زيمبابوي يتسللون إلى جنوب إفريقيا بحثا عن عمل. مثل هذا الوضع سيأتي إلى نهايته، كما هي الحال مع جميع حالات التضخم الجامح، أي بتغيير للنظام: فإما نظام نقدي جديد، أو نظام سياسي جديد، أو كلاهما.
فكر للحظة فيما حدث خلال آخر انفلات تضخمي عاشه العالم. فقد بدأ في يناير/ كانون الثاني العام 1992، فيما كان يُعرف بيوغوسلافيا، ووصل ذروته في يناير العام 1994، عندما ارتفع التضخم الرسمي الشهري بنسبة 313 مليون في المئة (أسوأ شهر في التضخم المنفلت الذي عانته ألمانيا في عصر جمهورية وايمر العام 1922- 1923، شهد ارتفاعا بالأسعار مقداره 32400%). كانت النتائج مدمرة. وبوقت طويل قبل أن يضرب حلف الناتو يوغسلافيا 1999، كان الجنون النقدي لنظام رئيس يوغوسلافيا في ذلك الوقت سلوبودان ميلوسوفيتش قد دمر اقتصاد بلاده.
في العام 1999 كان إقليم مونتينيغرو (الجبل الأسود) ما زال جزءا من هذه الفوضى، إذ كانت عملته الرسمية الدينار اليوغوسلافي سيىء السمعة. بيد أن المارك الألماني الجبار كان العملة غير الرسمية للبلد، وعندما كنت مستشارا اقتصاديا لرئيس مونتينيغرو مايلو دجيوكانوفيتش، أعدت إلى مسامعه قول عالم الاقتصاد النمسوي العظيم لودفيغ فون ميزس والذي وصف فيه العملة السليمة بأنها «الأداة لحماية الحريات المدنية ضد أخطاء الحكومات. ومن الناحية الأيديولوجية فإن العملة السليمة هي في المستوى نفسه من الأهمية كالدساتير السياسية والحقوق المدنية».
كان الرئيس دجيوكانوفيتش يدرك أن المارك الألماني هو الكرت الرابح في يديه، سلاح لا يستطيع فقط تحقيق استقرار الاقتصاد بل يمهد الطريق أيضا أمام استعادة مونتينيغرو لسيادتها. وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 أعلن بشجاعة أن مونتينيغرو قد جعلت المارك الألماني عملتها الوطنية. وقد استُبدل المارك الألماني باليورو بعد عامين من ذلك.
ونتيجة لذلك فقد حقق الاقتصاد في مونتينيغرو استقرارا فوريا، وبدأ يتصاعد تدريجيا بانخفاض نسبة التضخم. وما أن جاء العام 2005 حتى كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمعدل 4.1 في المئة بينما ينخفض التضخم إلى مجرد 1.8 في المئة. إزاء ذلك لم يكن مفاجئا قيام المقترعين في مونتينيغرو في مايو/ أيار من العام 2006، وبأرقام قياسية، بإسقاط الوحدة مع جمهورية صربيا. فأصبحت مونتينيغرو مستقلة مرة أخرى. وفي 15 مارس 2007 وقعت جمهورية مونتينيغرو «اتفاقية تعاون واستقرار» وهي الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (تبني العملة عادة يأتي في مرحلة لاحقة). الرئيس دجيوكانوفيتش قلب هذه العملية، بحيث تمكن بشكل فعال من إدخال مونتينيغرو في محيط اليورو من اليوم الأول.
وكما فعل الرئيس دجيوكانوفيتش بالنسبة لمونتينيغرو، يمكن لرئيس دولة جنوب إفريقيا ثابو مبيكي أن يكون المفتاح لوقف انهيار زيمبابوي. فقد عينته مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي - وهي مجموعة تتألف من تسعة بلدان جنوب إفريقية بما في ذلك زيمبابوي - للتوسط لمعالجة أزمة زيمبابوي الاقتصادية. وبضربة شجاعة يستطيع مبيكي وقف تعفن زيمبابوي النقدي، وفي الوقت ذاته دعم مصالح جنوب إفريقيا وغيرها من أعضاء المجموعة الإفريقية.
جنوب إفريقيا هي مركز منطقة العملة المشتركة والتي تضم أيضا ليسوثو، وسوازيلند وناميبيا. فكل واحدة من تلك البلدان تُصدر عملتها الخاصة بها ولكنها تربطها بعملة الراند الجنوب إفريقية بقيمة متساوية. يضاف إلى ذلك، أن الراند يُتداول قانونيا في ليسوثو وناميبيا.
مجموعة البلدان التسع يجب أن تقترح توسيع منطقة عملة الراند المشتركة لتشمل زيمبابوي. ويجب إنشاء مجلس عملة شبيه بذلك الذي كان يعمل في زيمبابوي ما بين 1940 إلى 1956 (وكانت زيمبابوي تسمى في ذلك الوقت روديسيا). يجب أن تصدر دولارا لزيمبابوي يكون مدعوما دعما كاملا وقابلا للتحويل بالراند بنسبة صرف محددة. ويجب أن يُدعَم مجلس العملة في بداية الأمر برأس مالٍ تقدمه جنوب إفريقيا، على أن يُسمح بتداول عملة الراند بصفة قانونية في زيمبابوي. إن إقرار مثل هذه الخطة هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من حطام زيمبابوي الاقتصادي.
* أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، وهو زميل أقدم في معهد كيتو في واشنطن العاصمة، المقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ