العدد 1791 - الأربعاء 01 أغسطس 2007م الموافق 17 رجب 1428هـ

في ذكرى غزو الكويت

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في صبيحة مثل هذا اليوم، قبل 17 عاما، استيقظ العالم على خبر اقتحام الجيش العراقي الأراضي الكويتية. الخبر كان صاعقة على شعوب المنطقة، وخصوصا الأشقاء الكويتيين، الذين استيقظوا على شطب دولتهم من الخريطة بالقوة.

الكارثة لم تقتصر على تحويل نصف الشعب الكويتي إلى لاجئين في البلدان التي كانوا يصطافون فيها، بل إنها أسقطت مقولة الأمن القومي العربي، وأطاحت بالثقة بين الأخ وجاره. وفوق ذلك انشطر العالم العربي، شعوبا وحكوماتٍ، إلى فسطاطين: معسكر وقف مع الكويتيين في محنتهم، ومعسكر أيّد صدام حسين في مغامرته الحمقاء، حتى شهدنا رئيس جمهورية عربية يذهب إلى الطاغية مساء الغزو ويتناول العشاء معه في قصره، فيما انطلقت مظاهرات شعبية في عدد من العواصم العربية تأييدا للغزو الذي قيل إنه سيمهد لإعادة توزيع الثروة القومية على أسس عادلة!

من آثار الغزو ما يعانيه الوطن العربي اليوم من تمزّق وتشرذم وتفتت وطائفية وتبعية واستسلام تام للمخططات الاستعمارية الجديدة بالمنطقة. أما على المستوى الكويتي، فإن الآثار النفسية والثقافية كانت مدمرة إلى أبعد الحدود. ولو حصرنا الحديث في الجانب الثقافي، فسنلاحظ تراجع الدور التنويري الكبير الذي قامت به الكويت في مجال النشر والترجمة والتأليف، فضلا عن انكفاء الصحافة الكويتية على ذاتها وغرقها في «المحلية»، بعد أن كانت تحمل الهم العربي العام.

الغزو البربري الذي هندسه النظام البعثي السابق، لم تقتصر تداعياته على الكويت، بل ظل وسيلة لابتزاز العراق نفسه ومحاصرته وإذلاله لخمسة عشر عاما، وانتهى بمؤامرة الغزو الأميركي المفضوح، بتسليمٍ إن لم يكن بتواطؤ رسمي عربي، حتى انتهى الأمر إلى هذه المذابح اليومية المتنقلة التي تقطع فيها أشلاء عشرات العراقيين كل يوم، في معادلة مشبوهة جدا، إذ يقتل مقابل كل جندي احتلال 50 عراقيا من الأبرياء.

زميلة إعلامية تعمل في تلفزيون الكويت، طرحت سؤالا قبل أيام: الآن بعد أن تحرّر العراق وذهاب الطاغية، ما المطلوب عمله عراقيا لتكريس علاقات طبيعية مع محيطه العربي؟ فاقترحت أن يعاد السؤال بصيغة أكثر عدلا ومنطقية وإنصافا: ما المطلوب منا نحن العرب لتكريس علاقات طبيعية مع الجار العراقي الشقيق؟

ما جرى للكويت نكرّره اليوم مع العراق حرفيا، الأخطاء والمغالطات والعقلية الشعبوية التي تحكمت في الشارع العربي مازالت المتحكمة اليوم في مشاعر غالبية العرب، ولكن بطعمٍ ونكهةٍ طائفيةٍ هذه المرة.

الكويت انعزلت نفسيا عن محيطها العربي وقضاياه وهمومه، وغاصت في همها المحلي؛ بسبب انحياز الكثيرين من العرب إلى جانب الطاغية في حربه عليها، واليوم ينظر العراقيون إلى العرب بصفتهم مصدرا لتصدير الإرهابيين والمفخّخات والأحزمة الناسفة لتقطيع أوصال الأبرياء في شوارع العراق، وحرق أجسامهم، وهدم منازلهم. العراقيون يتحدثون عن أن نصف عمليات القتل تتم على أيدي مئات من العرب الزائدين على الحاجة، الذين تخلصت منهم بلدانهم فرتّبت عمليات «توصيلهم» إلى الأراضي العراقية ليجاهدوا ضد «الكفار» و «المشركين» العراقيين، بعد أن أقنعوهم أن قتل هؤلاء «الكفرة» يضمن دخول الجنة من دون حساب.

العراقيون اليوم يطالبون العرب بوقف دعم هذه المجاميع التي توصف في البلاد العربية بالفئة الضالة، ولكنها تتحول آليا إلى «المجاهدين الأبرار» في العراق، ورفع الغطاء الديني الذي يبرّر عمليات الذبح الجماعي. غزو الكويت في التحليل النهائي كان بوابة لغزو العراق. وكما قاد موقفكم من الكويتيين إلى كفرهم بالعروبة... فهذا ما سينتهي إليه العراقيون حتما بسببكم أيها العرب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1791 - الأربعاء 01 أغسطس 2007م الموافق 17 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً