تتابعا للمقال السابق عن عبقرية الكتابة وإبداعها ولحظاتها الحاسمة للنجاح، اقترح بعض القراء في رسائلهم إليّ تقديم كتاب «ألف ليلة وليلة» للأطفال عوضا عن كتاب هاري بوتر للكاتبة Rowlling الإنجليزية التي باعت 400 مليون كتاب عبر عدة سنوات لمسلسل كتبها! وترجم الى 63 لغة! وإذ إني من المعجبين جدا بكتاب «ألف ليلة وليلة» وكذلك الكثير من التراث الشرقي مثل «رحلات سندباد» و «كليلة ودمنة» و «نوادر حجا» إلخ، إلا أني اختلف في مدى تقبل أطفالنا مثل هذه الكتب في سنواتهم الأولى وقبل أن يتمكنوا من اللغة الفصحى تماما!
إن المشكلة لا تكمن في كان يا مكان في قديم الزمان ولا في حرث الماضي وزرعه في الحاضر! إن هؤلاء العباقرة الصغار من أجيال الإنترنت والألعاب الإلكترونية لن يتخلوا عن تسليتهم العصرية إلا بشيء يشدهم بقوة أكبر مما هو لديهم للتسلية!
وهذه الكتب بأسلوبها الحالي لن تجذب انتباههم! فهي تحتاج إلى إعادة في الصوغ والحوار وأن تلبس ثوبا عصريا يتماشى مع سرعة بدهيتهم وإدراكهم.
إن كتب الأطفال تواجه مشكلات متعددة؛ ما يجعل الأطفال ينفرون ويبتعدون عن القراءة بسببها، وربما ألخص بعضها وأكثرها حساسية والأهم فيها وهو اللغة التي تكتب وكتبت بها للأطفال فهي معقدة وصعبة الفهم، بطيئة في تفاعلاتها ومحتوياتها في غالب الأحيان! وفيها الكثير من استعراض العضلات اللغوية على حساب الفكر والمداخلات! وعناصر التسويق في السرد محدودة جدا (مثل قصة ليلى والذئب) التي لن يتمكن الطفل من قراءتها الا عندما يصبح عمره 9 سنوات تقريبا، حينها لا تعجبه الفكرة ويهزأ من مضمونها! بما لا يتناسب مع تفكيره وقد تثير انتباه طفل في الخامسة ولكن قدراته اللغوية محدودة ولا يتمكن من قراءتها!
إن الانفصام بين ما ينطق به الطفل في اللهجة العامية وما يحتاج إليه من مفردات اللغة الفصحى هو العائق الأكبر في التداول مع القراءة بلغتنا وهو الذي يتسبب بالعزوف عن القراءة وهجرها إلى الأبد مع الأسف الشديد وفي سن مبكرة جدا لأن العادات تربى وتنمى منذ الصغر! وبذا تكبر الطفل، وهو بعيد عن الكتاب ورفقته! على عكس ما يحدث في اللغات الأخرى التي يتلكم بها الطفل مثلما يقرأ، كالإنجليزية ونرى ذلك واضحا عندما يتعلم أطفالنا في المدارس الخاصة ذات اللغتين! أنه يتمكن من قراءة اللغة الأخرى بسرعة أكبر وبذا يتمسك بالقراءة دائما بتلك اللغة ويبتعد عن كتبنا المعقدة الصعبة مع الأسف!
لقد حاول المهتمون بالأدب العربي محاولة الكتابة باللهجة العامية منذ سنوات لتسهيل القراءة... ولم تنجح الفكرة؛ بسبب كثرة اللهجات في وطننا العربي؛ ما سيزيد من الانغلاق القطري، إذ لن يفهموا بعضهم بعضها!
إن الطفل العربي حقيقة مظلوم منذ سنواته الأولى، وهو الإنسان غير المحب للقراءة بالتالي عندما يكبر وبذا يبتعد عن متابعة هذا الموضوع ويقل عدد المبدعين في هذا المجال قياسا على قلة عدد المؤلفين.
أو ربما يتمكن المهتمون بهذا الشأن بإيجاد حلول وسطية بحيث يتم اختيار المفردات السهلة التي يتداولها الأطفال في سنوات حياتهم الأولى وتشكيلها بطريقة مشوقة وجذابة مع أفكار خيالية متطورة وتحويل كتاب «ألف ليلة وليلة» إلى متعة لكل صغارنا، وحينها ربما يُباع بالملايين من يدري!
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1791 - الأربعاء 01 أغسطس 2007م الموافق 17 رجب 1428هـ