في بلدنا الصغير البحرين وكغيره من البلدان توجد بين خمس وست لهجات، لذلك والحق يقال، فإنه إذ تعديت كل شارع فإنك ستسمع من سكانها لهجة مختلفة، مع هذا فجميعنا بحرينيون وطنيون أحرار، فيكفي أن ترى مجموعة من الصديقات جالسات مع بعضهن يتحدثن، فتلك من المحرق، والثانية من سترة، وواحدة من الرفاع، وأخرى من مدينة عيسى، ورابعة من الدراز، وخامسة من المنامة، وسادسة من الدير، وسابعة من أية منطقة أخرى، جميعهم يتحدثون بلهجاتهم، وكلهم يفهمون ما تعنيه كل واحدة منهن، فنحن «عائلة واحدة مهما اختلفت لهجاتنا».
ما دفعني لكتابة الأسطر التالية هو موقف أحسست فيه بأننا فقدنا هويتنا بفقدان لهجاتنا، ففي أحد المرافق الحكومية ترددت إحدى الشابات البحرينيات لمراجعة أوراقها برفقة صديقاتها وكانت بينهن فتاتان أعرفهما، فحييتهن جميعا وصافحتهن بقولي: «سلام عليكم، شخباركم؟»، جميعهن رددنا علي: «وعليكم السلام، الحمد لله أنتِ شخبارش؟»، إلا واحدة فقد ردت التحية بهذه الكلمات: «وعليكم السلام، أنا منيحه»، استوقفتني كلمة «منيحه»، ولكنني ظننت أنها مزحة، إذ كعادتنا نحن الفتيات عندما نريد أن نلطف الجو فإننا نتحدث بعدة لهجات منها المصرية واللبنانية والسورية والسعودية واليمنية، وغيرها، ولكن ملامح تلك الفتاة كانت جادة، إذ تبين مع استمرارها بالحديث معنا عن مواضيع مهمة، كانت لهجتها هي هي، وكأنها لبنانية وربما سورية، فسألت إحدى صديقاتها (بلهجتي): «هديك لبنية بحرينية؟!»، قالت: أيه من منطقتنا!، فسألتها مرة أخرى: وليش تتكلم وكأنها لبنانية أو سورية؟! فردت مبتسمة (وبلهجتها أيضا): اشمدريني أنا؟! (لا أدري).
وعندما أصبحنا لوحدنا أنا وتلك الفتاة سألتها: دار بيننا هذا الحوار (أنا بلهجتي وهي بلهجتها الشامية): فلانة... أنتين بحرينية؟!، قالت: نعم أنا بحرينية؟!، قلت: من أي منطقة؟!، ردت: من...، قلت: عجل ليش تتكلمين چديه، أمّش شامية يعني؟!، فقالت: لا، فقط أنا أفضل الكلام بهذي اللهجة فهي أرقى، وأخف من لهجتنا... دهشت لكلماتها، وربما ما أثار دهشتي أكثر فأكثر، عندما أنهت تلك الفتاة معاملتها، ولتشكر الموظف الذي قام بخدمتها، انحنت أمامه رافعة طرف عباءتها قائلة: «ميرسيه»... حدقتا عيني اتسعتا للآخر، فهما الأخريان استنكرتا الموقف: أين نحن، في البحرين أو في مسلسل تراثي عربي؟، ترى هل في كلمة «شكرا» أي عيب؟!، أم هل بلهجاتنا البحرينية على اختلافها ما يستحى منه؟!.
من وجهة نظر شخصية، لا اعتقد. فلو كنت من المحرق أو من سترة أو من الدراز أو الرفاع، فالأفضل لكل شخص أن يفتخر بلهجته، إذ إنها جزء من هويته... أما تلك الفتاة البحرينية المتحدثة باللهجة الشامية، فلربما هي مدمنة مسلسلات مدبلجة مثل «سنوات الضياع» و «نور»، وتحلم بأن تعيش في تلك البيئة، أو لربما هي بحاجة إلى تحليل نفسي لنستطيع أن نستوعب فكرة تغييرها للهجتها... والله يهدي الجميع
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2265 - الإثنين 17 نوفمبر 2008م الموافق 18 ذي القعدة 1429هـ