على رغم النكسات الأخيرة، تُبرز مناداة الرئيس الأميركي جورج بوش في 16 يوليو/ تموز الماضي بعقد مؤتمر سلام متعدد الأطراف الخريف المقبل عن «إسرائيل» وفلسطين كلا من أهمية واحتمال إيجاد حل. من العراق إلى كوسوفو إلى لبنان إلى «إسرائيل» وفلسطين والمجتمع على اتساعه الدولي تجد الولايات المتحدة نفسها تكافح لإيجاد حل لنزاعات عرقية/ دينية للسيطرة على المناطق والحدود.

طالما كان إيجاد حلٍ لقضية القدس أمرا مركزيا مراوغا في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتبقى المدينة المقدسة الرمز وحجر الزاوية للنزاع بين «إسرائيل» والعالم الإسلامي. وهي كذلك رمز لفشل أميركا في الشرق الأوسط ونقطة محورية في الفوز بحرب المبادئ مع العالم الإسلامي. في اجتماع عقد أخيرا خلف أبواب موصدة بين مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين سابقين في واشنطن، كان أحد المفاهيم التي وُفِّق عليها بسرعة وسهولة نسبيّتين فكرة «التشارك» في السيادة على المدينة القديمة في القدس، والمعروفة في القانون الدولي بما يوازي الجمعية التعاونية (Condominium).

كان من المثير لاستغراب الكثير من المراقبين الأميركيين المتمرسين أن هؤلاء المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين المخضرمين كانوا على استعداد للموافقة على التشارك في أكثر الأماكن قدسية وعاطفية في نزاعهم، وهو ما تضمه جدران القدس القديمة، في الوقت الذي قاموا فيه ببناء جدار للفصل بينهما.

ولكن لماذا كانوا على هذا القدر من الاستعداد للتشارك في القدس، الغالية جدا على كليهما، على حين قضوا وقتا طويلا يتقايضون على قضايا أخرى؟ ولماذا لم يكونوا على استعداد للتشارك في أي شيء آخر؟

الجواب: التجربة. الإسرائيليون والفلسطينيون الموجودون كانوا في معظمهم مفاوضين متمرسين شاهدوا محادثات السلام تفشل العام 2001 ولم يكونوا على استعداد لأن يسمحوا بحدوث ذلك مرة أخرى.

أدركوا كم كان موضوع القدس مؤلما للطرفين، وأن أيا من الأطراف لن يشعر بالكمال في غياب القدس، وأن ترتيبات الفصل غير صالحة عندما تشتعل المشاعر على أقدام مربعة قليلة من أحجار المدينة المقدسة.

وعلى رغم أن الأمر استغرق عقدا من الزمان، فقد أدرك الإسرائيليون أنهم لن يكونوا بأمان من الحقد والضغينة الفلسطينية إذا حرموا المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من السيادة على الحرم الشريف والكنائس المسيحية المقدسة. كما اعترف المفاوضون الفلسطينيون كذلك بالحاجة الإسرائيلية المماثلة إلى السيادة ليس فقط على حائط المبكى وإنما على تلة الهيكل اليهودية.

الأمر جيد حتى الآن. ولكن عندما سأل الأميركيون: كيف يتسنى لذلك أن يعمل؟ كانت الإجابة مبهمة. تشكيل لجنة مشتركة، ويمكن حل النقاط التفصيلية فيما بعد. إلا أن غياب التركيز على خطة مفصلة شاملة لا يساعد في المستقبل. فالتجربة تثبت أن الشر يكمن في التفاصيل.

تاريخ جهود السيادة المشتركة مليء بالتجارب الفاشلة مثل ترييستا بعد الحرب العالمية الثانية، والتجربة الأحدث، النضال الجاري للحفاظ على ترتيب مشترك في بركو. هذه التجارب لا تعني أن السيادة المشتركة لا تنجح ويجب عدم تجربتها. وهي بدلا من ذلك تثبت الحاجة إلى انخراط شامل على المستوى المحلي، وتفكير معمق حذر من قبل الأطراف ودراسة مفصلة لهيكل وتاريخ السيادة المشتركة حلا للنزاعات الحدودية، إضافة إلى أن هناك دورا حيويا للقوى العالمية ذات العلاقة تلعبه، وهي في هذه الحال الولايات المتحدة.

وحتى يكون له أكبر نصيب ممكن في النجاح، يتطلب حل «الجمعية المشتركة» (Condominium) من الأطراف التي تشارك في السيادة أن تكون تفاوضت بحذر ودقة على إطار من القوانين من قبل ويتوقع الطرفان قضايا رئيسية ويوفرا آليات لحل النزاعات بين السياديين المشتركين. تعود فكرة «الجمعية المشتركة» إلى ما لا يقل عن 13 قرنا قبل الميلاد عندما تبنتها الامبراطورية الحتّية في مصر. وأكثر أشكالها نجاحا كان في أوروبا خلال القرن التاسع عشر عندما تشاركت ألمانيا وبلجيكا في حكم مناطق، وفي سلسلة جزر في جنوب الباسفيك في القرن العشرين (سميت يومها جزر شمال اسكتلندا New Hebrides وهي جزر مشتركة بين إنجلترا وفرنسا، وأصبحت اليوم دولة مستقلة باسم فانواتو (Vanuatu).

ما تخبرنا به قصص النجاح هو أنه عندما يتم تصور الأمر بصورة صحيحة وتطبيقه بصورة ذهنية عقلانية ومشاركة من قبل الدول السياسية، يمكن للسيادة المشتركة أن تنجح.

يمكن للقيادة الأميركية لعملية السيادة «المشتركة» في القدس أن تنجح في تحقيق السلام للإسرائيليين والفلسطينيين. ومن الأهمية بشكل مماثل كذلك الرسالة الضمنية التي يرسلها ذلك إلى العالم الإسلامي: أن الحلول «المشتركة» لأمن عالمي «مشترك» بين الولايات المتحدة والمسلمين أمر يمكن تحقيقه، وأن على الأميركيين التزام أن يحققوا ذلك.

أحيانا وفي بعض الأماكن يكون النزاع عسيرا بحيث تفضل جميع الحلول باستثناء تلك الأقل احتمالا. في هذه الأوقات والأماكن نحن بحاجة إلى أن نجرب أساليبَ لم تؤخذ في الاعتبار، على أمل أن تقدم حلول غير تقليدية فرصا غير متوافرة من خلال رسم الخطوط. لقد حان هذا الوقت. القدس هي ذلك المكان. السيادة المشتركة هي هذا الحل. والفوائد قد تكون عالمية.

*زميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة

بروكنغز ومدير مركز الدوحة بروكنغز في قطر

*أستاذ مساعد في جامعة الحقوق بولاية ساوث كارولاينا،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»