العدد 1790 - الثلثاء 31 يوليو 2007م الموافق 16 رجب 1428هـ

تصريح رايس... والضربة الاستباقية السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولتها على المنطقة برفقة وزير الدفاع روبرت غيتس. وقبل وصولها إلى العواصم العربية ودخولها لقاء شرم الشيخ أطلقت الوزيرة تصريحات تثير الأعصاب والاستغراب بشأن وظيفة صفقات التسلح والمساعدات العسكرية لدول الخليج العربية ومصر.

ماذا تقصد الوزيرة الأميركية من تصريحاتها؟ وما الرسالة التي تريد بعثها من كلام يزيد من انقسامات المنطقة ويبعثر الجهود العامة لوقف انزلاقها نحو مواجهات دموية؟

وزيرة الخارجية قبل وصولها رسميا إلى المنطقة أعلنت أن صفقات الأسلحة التي تقدر بعشرين مليار دولار هي لمساعدة الدول العربية (الخليجية ومصر تحديدا) على مواجهة إيران وسورية وحزب الله و«القاعدة». فهل هذا الكلام يساعد على التهدئة أم يصب الزيت على نار المنطقة؟ الكلام خبيث حتى لو تذرعت رايس أنه قيل لتطمين أعضاء الكونغرس الأميركي الذي اعترض على صفقة التسلح خوفا على «إسرائيل» وأمنها. الذريعة لا تكفي لتغطية كلام رايس. والتطمينات التي أرادت إرسالها إلى أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتشجيعهم على الموافقة على الصفقة وتمريرها رسميا ذهبت باتجاه معاكس؛ لأنها وضعت دول الخليج العربية ومصر في موقع يصعب الدفاع عنه أو تبريره للشارع العربي.

من قال للوزيرة رايس إن مصر والسعودية ودول الخليج تتسلح لمحاربة سورية مثلا؟ وكيف يمكن أن تبرر رايس لأعضاء الكونغرس أن صفقة تسلح للدول العربية يراد منها إعلان الحرب أو رسم حدود مواجهة مع إيران؟ فهل أرادت رايس من تصريحها استغباء الكونغرس أم حشر الدول العربية المعنية بالصفقة في زاوية سياسية ضيقة بهدف الابتزاز أو الضغط أو تدوير الاتجاهات نحو أهداف مفترضة أو متخيلة؟

لابد أن تكون رايس استهدفت من تصريحها غايات شنيعة تتجاوز حدود الصفقة. فهي تدرك سلفا أن كلامها لن يقنع بسهولة أعضاء كونغرس يبالغون في دفاعهم عن «إسرائيل». وهي تعلم أيضا أن الدول العربية إذا أرادت تجديد سلاحها أو تعزيز دفاعها فليس القصد منه إعلان الحرب على إيران أو مقاتلة سورية أو ملاحقة حزب الله. إذا لماذا قالت مثل هذا الكلام المسموم وهي على قناعة تامة أنه سيذهب باتجاه معاكس لا يصب في مصلحة الدول العربية التي أيدت دعوة جورج بوش إلى عقد «مؤتمر دولي» وأيضا لن يرفع التصريح من مستوى القيمة السياسية للصفقة؟

لابد إذا من وجود أهداف أخرى غير المعلنة. والأهداف المعلنة بدأت تظهر تباعا. فالكونغرس حتى الآن يشكك في الصفقة، و «إسرائيل» أبدت تخوفها من إبرامها، والقوى التي قالت رايس إن أسلحة الصفقة ستستخدم ضدها وضعت تحفظات عليها. الكل أبدى ملاحظات قبل الشروع في توقيع صفقة يرجح أن تأخذ أسابيعَ وأشهرا قبل الموافقة عليها رسميا. وفي حال الموافقة عليها من قِبل الكونغرس تحت سقف ضمانات سياسية فستحتاج الصفقة المحتملة إلى أشهر أخرى وربما إلى سنوات لإرسالها إلى المنطقة والتدريب على استخدامها وتأهيل قوات خاصة للتعامل معها. فالصفقة التي أعلنت نظريا تحتاج إلى أشهر وربما إلى سنوات لاستيعابها والاستفادة منها، وهي أيضا تحتاج إلى فترة أطولَ لاستخدامها. لماذا إذا استعجلت توضيح الهوية السياسية لوظائف الصفقة قبل إبرامها أو الموافقة عليها؟

ضربة استباقية

هناك ضربة سياسية استباقية أرادت رايس توجيهها إلى دول المنطقة قبل البدء في عقد جلسات «المؤتمر الدولي» المزمع عقده في الخريف المقبل. والضربة السياسية الاستباقية التي سددتها رايس تحت ستار تفسير وظائف استخدام صفقة الأسلحة حققت أغراضها المؤقتة في المرحلة المقبلة. فالكلام استفز العواصم والجهات المعنية بالصفقة، كذلك أثار غضب طهران ودمشق وحزب الله وزاد من شكوكهم في حسن النوايا من وراء تطوير القدرات الدفاعية للدول العربية. والأهم من الأمرين أن كلام رايس زرع فتنة سياسية يمكن أن تساهم في تعطيل نجاح «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل وتحميل الدول العربية (الانقسام العربي المصطنع بين دول التطرف ودول الاعتدال) مسئولية عدم توصل واشنطن إلى الوفاء بالتزاماتها بشأن الحل العادل ومشروع الدولتين في فلسطين.

الهدف الاستباقي من كلام رايس المتصل بشأن توضيح الأغراض من صفقة التسلح يصب في السياسة ويختزل مباشرة التوقعات التي يراد التوصل إليها في «المؤتمر الدولي» عن قضايا «الشرق الأوسط». فالإدارة الأميركية تبدو أنها توصلت إلى قناعة خاصة بأن أزمات المنطقة لا يمكن أن توضع على سكة الحل منذ الآن حتى الخريف المقبل لذلك بدأت تخطط لاختراع الذرائع وتبرير الفشل المتوقع من دعوة بوش الأخيرة. وحتى لا تتحمل واشنطن وزر السقوط منفردة أخذت تجرجر معها دول المنطقة العربية تحت ذريعة أن خلافاتها الخاصة (المعتدلون/ المتطرفون) هي التي حالت دون التوصل إلى تفاهمات على الحل النهائي للقضايا العالقة.

هذا النوع من الالتفاف السياسي يعد ضربة استباقية للمؤتمر الدولي، لأنه يرفع المسئولية عن «إسرائيل» ويخفف عن إدارة بوش تداعيات الفشل ويضع المسئولية على عاتق الدول العربية التي ستتهم بأنها العائق وراء السلام العادل والمتوازن في المنطقة. فالقصد من الكلام الذي باحت به رايس قبل أو بعد نزولها من الطائرة استهدف تطويق التفاهمات العربية على الحد الأدنى من السياسة (وهذا ما ظهر بعد انسحاب المندوب السوري من اجتماع الخارجية العرب في القاهرة)، كذلك تعطيل التقارب بين «حماس» و «فتح» تحت المظلة الشرعية الفلسطينية (وهذا ما تذرع به المندوب السوري لإعلان معارضته المؤتمر الدولي) وأخيرا عرقلة تلك المحاولات التي تبذلها بعض الدول العربية والأوروبية لوقف الانزلاق اللبناني نحو مواجهات دموية كما استنتجت خلاصات وزير الخارجية الفرنسي السياسية بعد مغادرته بيروت.

كلام رايس ليس بريئا. فالوزيرة تعلم سلفا أن صفقة التسلح تحتاج إلى وقت طويل لإبرامها واستخدامها، وتدرك أنها لا تغير المعادلة الإقليمية ولا تعدل موازين القوى العسكرية. و«إسرائيل» في هذا المعنى الاستراتيجي كانت ولاتزال تعد ولاية (محمية) أميركية لا تسمح واشنطن لأية دولة عربية أو طرف إسلامي أو محلي بهزيمتها بشكل نهائي ومطلق. والالتزامات والتعهدات التي أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خلال زيارته الأخيرة لواشنطن صحيحة ورايس تعرفها واطلعت عليها.

كل هذا الضجيج المفتعل عن «صفقة أسلحة» تحتاج إلى وقت لإبرامها واستيعابها في المخازن أو استخدامها في الميدان يراد منه توجيه ضربة سياسية استباقية بقصد إجهاض «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل وتحميل الانقسام العربي مسئولية فشله أو عدم توصله إلى وضع حلول لمشكلات منطقة «الشرق الأوسط». فالمصلحة الأميركية تقضي باستمرار الانقسام حتى تستطيع واشنطن التحكم في حركة المرور وتوجيهها نحو الأهداف المؤقتة في المرحلة المقبلة. وهذا ما نجحت فيه في العراق حين مزقت أهل بلاد الرافدين ووزعتهم على مواقعَ متناحرة. وهذا ما توصلت إليه في لبنان حين دفعت القوى إلى انقسام أهلي يتجاذب الساحة بين «8 و14 أذار». وهذا ما حاولت الاستفادة منه حين انشطرت غزة عن الضفة وأخذت تؤسس دويلتها بعيدا عن السلطة الفلسطينية. وهذا ما يمكن أن تراهن عليه في حال استمر الاعتراض السوري على دعوة «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل. كذلك يمكن القول إن تصريحات رايس اللئيمة حققت أغراضها السياسية حين استبقت الدول والقوى المعنية وأخذت بشرح وظائف «الصفقة العسكرية».

التبرع الأميركي لتوضيح الأهداف المطلوبة من وراء إبرام الصفقة أسس لنوع من الاستقطابات ستكون لها انعاكساتها السلبية على مشروع مبادرة السلم العربية التي أعيد تجديدها وإطلاقها في قمة الرياض الأخيرة. وكل هذه الوظائف السيئة توضح أسباب مسارعة رايس إلى إطلاق تصريحها. فالمقاصد ظاهرة ولا تحتاج إلى ذكاء لتقصي أهدافها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1790 - الثلثاء 31 يوليو 2007م الموافق 16 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً