المدير التنفيذي (السابق) لمعهد البحرين للتنمية السياسية عبدالله الأشعل دخل التاريخ البحريني بعد أن أشعل قضايا عدة كانت ومازالت وستبقى تقلق الشارع البحريني. فعندما التقيت الأشعل العام الماضي أثناء زيارته لي في الصحيفة استمعنا إلى بعضنا بعضا، وطرح علي أسئلة محددة عن السبب في عدم تفاعلي شخصيا مع معهد التنمية السياسية.
لقد أكدت للأشعل أنه ليست لدي أمور شخصية مع المعهد أو القائمين عليه، ولكن مفهوم المعهد وتوقيت نشاطه وتشكيله يثير أسئلة كثيرة، وهذه الأسئلة لا تجد أجوبة. وكتبت حينها مقالات أوضحت فيها موقفي من مجمل الأمور.
القضايا التي طرحتها مع الأشعل لاتزال كما هي، بل أن خروج الأشعل بالطريقة التي خرج فيها من المعهد تدل على الشكوك المشار إليها منذ تأسيس هذه المؤسسة.
في البداية، جاء المعهد على خلفية طرد المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي NDI وهذا الطرد لا يهمني في شيء، فهو أمر بين حكومة البحرين ومؤسسة أجنبية، غير أن حيثيات الطرد هي التي أقلقت المراقبين المستقلين. فالمعهد الأميركي اتهم بأنه يساعد مجموعات المعارضة ويطور أداءها وقدراتها، واعتبر هذا الأمر تجاوزا لخطوط حمراء غير معلنة. كما أن المعهد كان يدرب مؤسسات المجتمع المدني للقيام بمهمة مراقبة الانتخابات، واعتبر ذلك تجاوزا لخطوط حمر أخرى غير معلنة.
الإجراءات التي اتخذت بموازاة طرد المعهد الأميركي كانت مقلقة، فرئيسة مجلس أمناء معهد التنمية السياسية لولوة العوضي قالت - بما معناه - إنها نفذت وصية الشيخ عيسى أحمد قاسم عندما طردت المعهد الأميركي الذي كان يبشر بثقافة أجنبية، والحقيقة أن ذلك التصريح إما أنه من باب «الطنز» أو أنه من باب «الجد» وفي الحالة الأولى فإنه غير مقبول، أما في الحالة الثانية فإنه غير معقول.
تبع ذلك «تأديب» أية جمعية أو جهة تسول لها نفسها مراقبة الانتخابات بأسلوب خارج الخطوط الحمراء غير المعلنة، وهو فعلا ما تحقق لاحقا مع جمعية الشفافية التي أصاب بعض أصحابها الإغماء إثر صفعة رسمية صغيرة جدا. ثم كان لأبطال هذه القصة الإعلان عن معهد يتكون أمناؤه من أناس محترمين، ولكن لا يعرف هؤلاء الأمناء عما يجري وينفذ باسمهم، كما أن المعهد يحتوي على بحرينيين «جدد» مفضلين على أهل البحرين (من الشيعة والسنة) الذين يبدو أنهم أصبحوا شعبا غير مرغوب فيه لدى البعض.
وأحد الأسئلة التهكمية المطروحة هو: لماذا لم يتم تجنيس مدير المعهد الأميركي في البحرين، الصومالي فوزي جوليد، وبالتالي ضمه إلى جوقة المتجنسين ذوي النفوذ «فوق العادة»؟ هل لأن فوزي كانت لديه مبادئ منعته من الانخراط في سلك لا يناسبه ولا يناسب الخطوط الحمراء غير المعلنة؟
أحد أعضاء مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية له مقولة جميلة مفادها أنه «لا يمكنك أن تمنع مرور الهواء بعد أن تفتح الشباك»، ولم أجد أكثر انطباقا لهذا المثل على مجريات الأمور الخاصة من معهد التنمية السياسية.
الأشعل جاء إلى البحرين من مصر صادقا في مهمته، وخرج من المعهد المذكور بعد أن وجد ما لا يحتمله عقل، ولا يحتمله أمين في عمله.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1790 - الثلثاء 31 يوليو 2007م الموافق 16 رجب 1428هـ