العدد 1789 - الإثنين 30 يوليو 2007م الموافق 15 رجب 1428هـ

«الشرق الأوسط» وصفقات التسليح الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أعلنت الإدارة الأميركية رفع مساعداتها العسكرية لـ «إسرائيل» بنسبة 25 في المئة سنويا لتصبح 3 مليارات دولار (30 مليارا في عشر سنوات). كذلك أعلنت صفقات تسلح لدول الخليج العربية تصل إلى 20 مليارا. وبلغ المجموع العام للصفقات والمساعدات العسكرية الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط الصغير» نحو 64 مليارا. وذكر رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت أن الرئيس الأميركي جورج بوش وعده أن الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها في دعم «إسرائيل» وتعزيز تفوقها العسكري على مجموع الدول العربية. وتصادف هذا الإعلان عن صفقات ومساعدات عسكرية بالمليارات مع دعوة بوش إلى عقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل لبحث موضوع السلام وإقامة دولتين في فلسطين.

السؤال هل تريد واشنطن فعلا تحقيق السلام ونشر العدالة وتشجيع التنمية والإصلاح أم أنها لاتزال تحتفظ بسياستها التقليدية الداعمة للحروب ونشر الفوضى وتعطيل مشروعات التنمية والإصلاح؟ صفقات التسلح والمساعدات العسكرية تشيران إلى أن واشنطن تراهن على جرجرة المنطقة إلى مزيد من المواجهات الدموية. والدعوة التي أطلقها بوش بشأن السلام في «الشرق الأوسط» ليست سوى محاولة لتقطيع الوقت والإيحاء لدافع الضرائب (الناخب الأميركي) وقوى المنطقة أن واشنطن تفكر بإقامة دولة فلسطينية «قابلة للحياة».

هذا التعارض المكشوف بين صفقات تسليح ودعوة للتفاوض والحوار لا يعني إطلاقا أن الولايات المتحدة حائرة في سياستها بين السلم والتسوية أو الحرب والتدمير. فالقرار الذي اتخذته إدارة واشنطن لايزال ينسجم مع سياسة تقليدية تقضي بمنع احتمالات توصل الأطراف الإقليمية إلى حل حتى تحافظ على دورها في منطقة استراتيجية وغنية في ثرواتها الطبيعية. فالتسوية في «الشرق الأوسط» تعطل الكثير من المصالح الأميركية (نفط وتسلح) وتقلل من أهمية دورها الدولي في دائرة إقليمية حساسة. بينما الحروب تعطيها فرصة لتثبيت دورها التقليدي وتساهم في تقديم ذريعة سياسية للاستمرار في الإنفاق على تطوير مؤسسات التصنيع الحربي.

كلام واشنطن عن السلام يطلق دوريا للخدعة وشراء الوقت لأن السياسة العامة التي تتبعها الإدارة ميدانيا تشير إلى عكس هذا التوجه في اعتبار أن المصالح العليا للدولة تعتمد كثيرا على الحروب والفوضى وزعزعة الاستقرار وتقويض العلاقات الأهلية واستنفار العصبيات المذهبية وتشكيل «كانتونات» على غرار ما فعلته في العراق (فيديراليات طوائف).

فرص السلام والتسوية وتطبيق القرارات الدولية بشأن الملفات الساخنة والعالقة تبدو متراجعة ولا حظ لها بالنمو في الفترة المتبقية من عهد بوش. فالرئيس الأميركي وعد مرارا بأنه لن يترك «البيت الأبيض» قبل تنفيذ التزاماته، ولكن سياسة الرئيس أثبتت بالملموس أنه يتجه نحو خيارات أخرى ليست بعيدة عن استراتيجية التقويض. وصفقات التسلح والمساعدات العسكرية الهائلة لـ «إسرائيل» والتزام بوش بأنه سيعمل على استمرار تفوق الدولة العبرية النوعي على مجموع الدول العربية كلها إشارات تؤكد على أن السياسة الأميركية لاتزال على حالها ولن تتغير خلال الفترة المقبلة (18 شهرا من ولاية بوش).

استراتيجية التقويض

إذا كان «التقويض» هو الخيار الاستراتيجي للولايات المتحدة في الفترة المقبلة من عهد بوش فكيف يمكن تصور حال منطقة «الشرق الأوسط» في الأشهر المقبلة؟ هناك احتمالات كثيرة يمكن التقاط بعض ملامحها منذ الآن.

أولا: خيار الحرب. هذا ما تستبعده الكثير من القوى الدولية والإقليمية الجوارية لأسباب متنوعة تتصل بعامل الوقت والضغوط الأميركية الداخلية والصعوبات الميدانية واللوجستية وتغير المزاج العام في المنطقة. إلا أن كل هذه المعوقات لا تمنع من احتمال ذهاب واشنطن إلى هذا الخيار ما دامت مراكز القوى في أميركا وبريطانيا لم تسقط احتمال اللجوء إلى القوة. وعدم إسقاط خيار الحرب من المعادلة السياسية يعني نظريا عدم استبعاده من الاحتمالات المتوقعة.

ثانيا: خيار الانسحاب. هذا ما ترجحه الكثير من القوى الدولية والإقليمية والجوارية لأسباب متنوعة تتصل بتلك الضغوط الأميركية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية واحتمال فشل الخطة الأمنية التي اعتمد عليها بوش لتجديد قواته وتبرير الحشود والإضافات البرية والبحرية. ولكن خيار الانسحاب يخضع بدوره لعامل الوقت. فالزمن لا يسمح بالانسحاب السريع للقوات وإنما يعطي فرصة لإدارة واشنطن للمناورة والتذرع بضيق الوقت للإعلان عن خطط تجميع في قواعد عسكرية ومهابط طيران تمهيدا للعودة النهائية إلى الوطن الأم.

ثالثا: خيار التفاوض. هذا الاحتمال يرجح أن يكون الأقوى في الأسابيع المقبلة لأنه يقع في منزلة بين منزلتي الحرب والانسحاب وهو يعطي فرصة للكسب السياسي وشراء الوقت واختبار مراكز القوى وحجمها وتأثيرها في الميادين. وهذا الخيار بدأت واشنطن باختباره من خلال فتح باب الاتصال العلني والمكشوف مع دمشق وطهران على مستويات دنيا ربما تمهد الطريق إلى رفع التمثيل إلى درجات أعلى.

التفاوض إذا لابد منه في النهاية وهو الأقوى حتى الآن في المعادلة الميدانية. والسؤال يبقى يدور بين حدين: الأول ماذا تستطيع ثنائية إيران وسورية تقديمه للولايات المتحدة من ضمانات تؤمن لقواتها «الانسحاب المشرف». والثاني ما هي التنازلات التي يمكن للولايات المتحدة تقديمها للثنائي الإقليمي مقابل «الانسحاب» أو «التجميع» أو الخروج من دائرة منطقة «الشرق الأوسط».

مثلا هل تقبل واشنطن بتقاسم النفوذ مع طهران ودمشق في بلاد الرافدين، وإذا وافقت ما هو المقابل لذلك وكيف وأين؟ هذا جانب من الصورة. الجانب الآخر ما طبيعة التوافق والتقاسم وبالتالي ماذا عن الالتزامات التقليدية التي أكدها بوش علنا لأولمرت خلال زيارة الأخير لواشنطن؟ وكيف يمكن التعامل مع القوى الإقليمية الأخرى بشأن ما تبقى من ملفات ساخنة تمتد من بغداد إلى بيروت وغزة؟

مسألة التفاوض التي بدأت على أكثر من صعيد ومع جهات مختلفة في الآن تطرح بدورها إمكانات التوصل إلى تفاهمات إقليمية كبرى تمتد من الساحل الشرقي للبحر المتوسط إلى البحر الأحمر ومنطقة الخليج وبحر العرب. فهل الولايات المتحدة باتت جاهزة إلى حد الاستعداد لفتح مختلف الملفات وبحثها بمرونة دبلوماسية ووفق اعتبارات دقيقة تمليها سياسة الاحترام لتوازن المصالح الدولية والإقليمية والجوارية؟

المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى هذا المستوى من الجاهزية «النفسية» التي تسمح لها بتقبل الدخول في مفاوضات من هذا النوع وعلى هذا القدر من الوعي والمسئولية. عدم وجود مثل هذا الاستعداد يفسر إلى حد كبير لجوء واشنطن إلى إرسال إشارات متعارضة تراوحت بين الدعوة إلى عقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل وبين إعلان صفقات ومساعدات عسكرية وصلت قيمتها الإجمالية إلى 64 مليار دولار.

الدعوة إلى الحوار والتفاوض في الخريف تتعارض مع إعلان صفقات بالمليارات. فالأولى تعني الجنوح نحو التسوية والسلم والثانية تؤسس قواعد جديدة للحروب. وبين الأولى والثانية يبدو مزاج إدارة بوش لايزال يميل إلى ترجيح كفة استراتيجية «التقويض» في دائرة حساسة وغنية بالثروات النفطية والمعادن الطبيعية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1789 - الإثنين 30 يوليو 2007م الموافق 15 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً