الأفكار التي طرحها علي فخرو في منتدى «وعد» الأخير، من الأمانة عرضها ومناقشتها بين الجمهور، فالرجل يطرح أفكارا على بديهيتها أصبحت أفكارا يتيمة في هذا الزمان، الذي يعج بأصوات «البوم» الداعية إلى الاقتتال الداخلي والتأجيج الطائفي، تنفيذا لأجندةٍ تخدم في جوهرها المشروع الامبراطوري الأميركي الجديد.
في هذا العصر، لابدّ من دعم مواقع المقاومة والممانعة؛ لأنه ليس للأمّة العربية والإسلامية بديلٌ إلاّ الدخول في عصر شديد الظلمة، قد يمتد قرونا، إذا ما نجح المشروع الاستعماري. فالرؤية واضحة أمام المبصرين، أمّا مَنْ لا يرى أبعد من شسع نعله الطائفي، فسيكون حسابه عسيرا في محكمة الأجيال بعد أن تنجلي غيوم الفتنة عن جبال من الأشلاء وأنهار من الدماء.
القومية التي يتكلّم عنها فخرو، والتي تربينا عليها وورثناها من آبائنا، وتشكّل البنية الأساسية في وعينا الجمعي كبحرينيين، أصبحت اليوم ملوثة بطاعون الطائفية. والأمة لا تملك مشروعا حضاريا، وليس لها رؤية واضحة حتى للحفاظ على مصالحها، حتى الأسلحة التي تدفع أثمانها من ثرواتها النفطية، يقرّر الآخرون متى يبيعونها لها، وبأي سعر، وبأية شروط، وفي أية حروب يجب أن تستخدم... وذلك ما تتفهمه «إسرائيل» التي أصبحنا نقف معها «على خط واحد في النضال ضد إيران» كما قال أولمرت أمس!
أمةٌ ضائعةٌ، مستلبة الإرادة، تعطّلت بوصلتها، وأضاعت عدوها الحقيقي، وأصبح بأسها بينها شديدا، لتبقى على هامش التاريخ والحضارة. بالأمس تقاتلت في اليمن، بعد أن جنّدت المخابرات الأميركية لأجلها 15 ألفا من الجنود المرتزقة الأجانب، و«لا نحتاج التذكير بالأدوار الإنجليزية والفرنسية بل وحتى العربية في التآمر على الثورة وإجهاضها» كما يقول فخرو. واليوم تعود الأصابع نفسها لتفتيت المنطقة، فأبطال مسرح العرائس لم يبرحوا أماكنهم بعد.
فخرو يذهب إلى أن «قدَر الأجيال العربية أن لا تسمح بانطفاء شعلة الثورة، ونجاح المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وبقاء الممانعة السورية والإيرانية يجب أن يظل هدفا نضاليا للشعوب العربية».
خليجيا... تطرّق فخرو إلى الجانب المسكوت عنه: الاقتصاد وإدارة «بيت المال»! فالتحدّي المستقبلي يتطلب استعمال فوائض العائدات البترولية لبناء اقتصاد إنتاجي ومعرفي حقيقي، وبناء اقتصاد إقليمي يمنع ابتزاز المنطقة في المستقبل، وتوطين العمالة العربية، للمحافظة على هويتها، وبناء قدرات علمية وتكنولوجية وصناعية متطورة». أما على الواقع، فتشهد دول المنطقة تكالبا محموما على تشييد المباني وناطحات السحاب، وتتفاخر ببناء المبنى الأعلى والفندق الأغلى والأفخم في العالم، دون أن تُطرح الأسئلة الأهم: ماذا بعد؟ وإلى أين ستقودنا هذه التنمية المشوهة؟
حتى الآن، مازال النفط هو مصدر الدخل الأساسي في كل دول الخليج، رغم ما قيل وكتب ونشر خلال الثلاثين عاما الماضية من عمر الاستقلال، الذي شهد طفرات كبيرة في أسعار النفط، لم نحسن استغلالها في تشييد اقتصاد منتج، وإنما راكمنا المليارات في المصارف الغربية، وراكمنا معها مشكلات مزمنة في اقتصاد هش، من البطالة إلى تدهور مستوى التعليم.
كلمة أخيرة
في هذه اللوحة القاتمة التي يدرك أبعادها العارفون بخبايا السياسة العربية، ربما ليس هناك جانب مضيء من الصورة إلاّ ما يجري في الرياضة، بعد أن توّج منتخب العراق الجريح بطلا لآسيا، بعد فوزه على شقيقه السعودي. ونخشى أن لا يحوّل «المجرمون» الفرحة العراقية إلى مذبحة كما فعلت قبل أيام «القومية الطائفية» التي آلت على نفسها أن تحرم هذا الشعب من الأمن والأفراح.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ