بين الحين والآخر يتصل بي مواطن، تفوح من بين نبرات صوته المبحوح رائحة ضنك الحياة، ولا أعرف كيف رسمت له صورة في ذهني من دون أن ألتقي به ولا مرة واحدة، أو حتى من دون أن أعرف اسمه أو جهة عمله، أو أي شيء آخر عنه.
ما بين يومين أو ثلاثة يعاود الاتصال ويقول» «خوك سمعتون شي عن الزيادة، في شي بنتشرونه باجر، رحم الله والديك إذا في أي شي خبّرني هذا رقمي، ما عليه يمكن أكلف عليك، لكن أرجوك إذا في شي خبّرني، ترى الجهال وأم الجهال يحارسون خبر زين».
ربما هو لا يعرف حتى اسمي! لأنه اتصل بالصحيفة وطلب مراجعة أحد، فحصل على رقمي، بل ربما لا يقرأ هذا المقال اليوم أيضا؛ لأنه قال لي في المرة الأولى: «اتصلت بالوسيط، وعطوني رقمك» وكان لا يدري أنه متصل بـ «الوسط» وليس «الوسيط»!
السجية وحدَها هي التي حرّكت أنامل هذا الرجل على الهاتف؛ ليبحث عن أيّ شخص وفي أيّ مكان يحتمل ولو أدنى احتمال أنّ لديه معلومات عن الزيادة التي تسرق كل أحاديث المواطنين هذه الأيام، فتأخذ مجالها الأكبر في «سوالف» المجالس و»البسطات».
شعرتُ بدْين عليّ في رقبتي لذلك الرجل، ولا بدّ من تأديته له، وهو أن أخبره فورا في حال وردتني معلومات صحيحة عن الزيادة التي تتلذذ بعض الصحف بالتغنّي بها يوميا على صفحاتها الأولى، فيزيد شغف أمثال هذا الرجل وأمثاله ! فيبحثون عن أي بصيص أمل يؤكّد لهم زيادة رواتبهم المتهالكة، وكأنهم يتلذذون بعرض كأس ماء بارد على عطشان أخذ منه العطش حتى صوته، فمرة بالتلويح بـ «أخبار سارة قريبا» ومرة بـ «الزيادة بعد أقل من شهر» وغير ذلك مما جعل أمثال هذا الرجل المسكين يحلم نائما ومستيقظا ببضعة دنانير تزيد في راتبه!
الحكومة كعادتها تلتزم الصمت في مثل هذه الظروف، فلا تنفي ولا تؤكّد، وربما النفي أرحم للناس من الانتظار على «الفشوش»! فمثل هذا المتصل بي بين الحين والآخر لو استمر على وضعه هذا منتظرا مضطربا فإن الزيادة المزعومة حتى لو تحققت فستكون من نصيب طبيب نفساني ثمنا لعلاجه عن مرض الكآبة، أو ربما مرض أكبر من ذلك! ولن يكون هذا الرجل وحدَه بالتأكيد فسيجاوره كثيرون ممن ليس لهم من حديث هذه الأيام إلاّ الزيادة، وهم بذلك معذورون، ولكن هل من عذر للحكومة على هذا الصمت؟!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ