العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ

المسكوت عنه في الحوار العربي الأوروبي

أيام في أشبيلية (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

احتضنت أشبيلية حاضرة الأندلس وأكبر مدنها الحوار العربي الأوربي بدعوة من منظمة الثقافات الثلاث (three cultures) في الفترة ما بين 28 إلى 30 يونيو/ حزيران 2007. وتشاء الصدف أن أرجع إلى الأندلس خلال أقل من شهرين بعد زيارة قرطبة في المرة الأولى، إذ عقدت ندوة نادي مدريد بشأن تجربة الإصلاح في البلدان العربية الثلاث المغرب والأردن والبحرين.

كان المتحدث الرئيسي بعد حفل الافتتاح المفكر الفرنسي المعروف ريجبس دويربية الذي اشتهر بلقائه التاريخي في 1966 مع المناضل الأممي تشي جفيارا فيما كان يخوض حرب الغوار في غواتيمالا، وقد ألف كتابا عن ذلك بعنوان مذاكرات حرب الغوار، ووقع أسيرا في قبضة الجيش الغواتيمالي وحوكم، وحكم عليه بالسجن. لكن فرنسا تدخلت بقوة وأطلق سراحه لاحقا، وأضحى علما من أعلام اليسار الجديد.

ريجيس دوبريه وبتكليف من الرئيس جاك شيراك مباشرة، وضع بحثا جريئا بعنوان «المسكوت عنه في الحوار بين الثقافات الثلاث» وقد طرح عددا من الاسئلة الحرجة وسنعرض بعضا من أهم الأسئلة والأفكار التي طرحها دوبريه. استهل حديثة بالقول إننا هنا لسنا موظفين رسميين ولذلك يجب علينا التحدث بصراحة.

سمة القرن الواحد والعشرين

إذا كان القرن التاسع عشر هو عصر صراع الاقتصاديات كما طرحه ماركس، وان القرن العشرين هو قرن الصراعات السياسية، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن صراع الثقافات والأقليات. وبالنسبة للدين فلم يعد كما طرح ماركس «أفيون الشعوب» بل دور المحرك للشعوب سلبا أو إيجابا. وهناك اليوم صراع ما بين سلطة رجال الدين وسلطة رجال الدولة.

تحت راية الدين تتم عمليات استشهادية وتخاض الحروب على امتداد العالم.

هناك ضيق أفق من قبل صناع السياسة في العالم، وخصوصا قادة الدول الكبرى ومن قبل الشركات الكبرى. فهم يعتقدون أنهم بعولمة السوق يوحدون العالم.

نعم، هناك عولمة وهناك أنماط من المعرفة والحياة والسلوك المعولم، ناجمة عن ثورة المعلومات والاتصالات والأسواق المفتوحة، والشركات العابرة للقارات، لكن هناك جدران دينية وثقافية وقومية تعزل البشر حتى داخل البلد الواحد والمدينة الواحدة والحي الواحد.

هناك اكتساح للثقافة الانجلوسكسونية على حساب الثقافات واللغات الأخرى حسب ما حذرت منه اليونسكو. هناك توتر على امتداد العالم بين المسلمين من ناحية والغرب من ناحية أخرى، والمسلمون ليسوا بعيدين عنا بل هم بالملايين يعيشون بيننا وهم من مواطنينا لكننا نتجاهل مشاعرهم، بل وشن الحروب ضدهم في العراق، وأفغانستان وفلسطين، ونستنزف عقولهم وثرواتهم وندمر البيئة العالمية من أجل مصالح أنانية.

هواجس العرب

من أجل فهم أعمق لمشكلات المنطقة قامت وزارة الخارجية الفرنسية وبتكليف من الرئيس السابق شيراك للسفير جاك هيرزنجر بتنظيم أربع ندوات في كل من القدس وبيروت ودمشق وعمّان. في القدس ناقشنا محورية الأماكن المقدسة في الصراع الإسرائيلي ومن ثم الإسلامي - اليهودي، وفي بيروت ناقشنا دور الثقافة والأديان في الصراعات المحتدمة في المنطقة وإمكان أن تكون جسورا للتواصل وكذلك القيم والانتماءات المدنية مقابل الولاءات والقيم الطائفية، والمجتمع مقابل الطائفة.

في عمّان ناقشنا المجابهة بين الإسلام التقليدي والحداثة وما بين الشريعة والقانون المدني، وفي دمشق ناقشنا قضايا عدة مثل العلمانية والمواطنة، والمواطنة وحرية العقيدة الدينية. في هذه اللقاءات الأربعة شارك العشرات من المثقفين والأكاديميين الأوربيين والعرب، ولقد كشفت لنا عن عمق جهلنا نحن (الغربيون) بتعقيدات أوضاع المنطقة وقضاياها

دور الثقافة

بالنسبة إلى الثقافة فهناك أكثر من 140 تعريفا، بالتالي هناك 140 سوء فهم بشأن الثقافة، هناك خلط بين الإسلام والإسلاموية ما بين المسيحية (Christianity) والتمسح (christianism). وفي حين أن الدين هامشي في حياة الغرب، ولا يرتبط المسيحيون بمنظمة دولية بما في ذلك الفاتيكان، فإن الإسلام حضارة إلى جانب كونه دينا، ونمط حياة. وقد أظهرت ردود الفعل تجاه الرسوم الكارتونية المسيئة إلى النبي محمد (ص) جهلا بمشاعر المسلمين.

يمكن عولمة التكنولوجيا، فالكمبيوتر والسيارة والطيارة وغيرها هي ذاتها عالميا، ونظام الكهرباء في العالم 110 فولت و220 فولت معمم عالميا، كذلك سكة الحديد عالمية، لكنه لا يمكن عولمة الثقافة ولا الهوية ولا التاريخ ولا اللغة فهناك أكثر من 1000 لغة في العالم.

الثقافة هي جذر الهوية، ولذلك يجب عدم تجاهل الدور المحوري للثقافة في علاقات الحضارات والأمم وفي النظام العالمي. الحوار هو أخذ وعطاء.

معضلات كونية

عرض دوبرية معضلات كونية لا سابق لها في تاريخ البشرية وكوكب الأرض. التغير المناخي العالمي وتدهور البيئة ما يعكس أزمات على الأفراد والشعوب. أزمة دارفور هي تجسيد لتدهور البيئة وسبب رئيسي في اندلاع الصراع على المراعي بين القبائل العربية والقبائل الإفريقية، والتي تطورت إلى حرب إثنية، ثم إلى مأساة كذلك الأمر في غزة، إذ حشَر أكثر من مليون في بقعة صغيرة في ظروف لا إنسانية، ضمن بضع مئات من الكليومترات بموارد ضئيلة، ما يولد غلياناص ذاتيا للسكان.

أما قضية الزيادة المخيفة لسكان الأرض فإن لها مدلولاتها وأثارها السلوكية والمعيشية للأفراد والشعوب. وبحسب مقولة ليفي شترادس، تضاعف سكان العالم ثلاث مرات خلال قرن من 2 مليار العام 1900 إلى 6 مليارات العام 2000 وسيتضاعف إلى 12 مليار خلال عقود، فهل تحتمل موارد الأرض وبيئة الأرض هذه الزيادة؟

هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي مدني في بلد مختنق بسكانه ويتصارعون على موارد ضئيلة وأرض محدودة؟

هناك أكثر من 5 مليارات إنسان من دون أرض وهناك ما يزيد عن 190 مليون مهاجر في العالم غالبيتهم في البلدان المتقدمة، فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء؟

وكيف سيتم التعامل مع طوفان الهجرة غير الشرعية من الدول المتخلفة إلى الدول المتقدمة؟

وفي حين نتحدث عن ثورة الاتصالات فإن هناك جدران فاصلة حقيقية فالجدار الذي أقامته «إسرائيل» بدعوى الأمن يفصل عالمين، غربة «إسرائيل» كامتداد للعالم الغربي المتقدم، وشرقه فلسطين كامتداد لعالم عربي إسلامي متخلف كما يطرح. وهناك جدار يشاد ما بين الولايات المتحدة والمكسيك لوقف الهجرة وجدار في بغداد لفصل الشيعة عن السنة.

لقد أشار المفكر الاستشراقي جاك بيرك العام 1960، إلى خطورة انحسار التفاعل والترجمة المتبادلة ما بين اللاتينية والعربية الذي ساد لقرون، وأسهم في نهضة أوروبا، في حين أن العربية ترتبط الآن بالإسلام والأرض الإسلامية شرقا وجنوبا واللاتينية بالمسيحية والأراضي المسيحية شمالا وغربا، ويجرى الحديث عن رياح أطلسيه تجتاح العالم.

وخلص دوبرية إلى القول إن هناك خداعا للذات من قبل الساسة بالتهوين من الجروح الغائرة في ذاكرة الشعوب، وخصوصا في الشرق. وحذر من المراهنة على أنظمة علمانية هشة هي في حقيقتها فئوية واستئثارية وتسلطية وغير ديمقراطية. كما حذر من تجزئة الأمم وإضعاف هويتها باسم العولمة إذ يؤدي ذلك إلى تفشي النزعات المذهبية والانفصالية والقومية المتعصبة. ونوه إلى أن من شنوا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول لم يأتوا من الصحراء بل من مدن طليعية مثل بوسطن، وهم ليسوا متخلفين بل خريجو جامعات عاشوا في الغرب، ولذلك يجب عدم تبسيط الأمور.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً