العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ

إعادة استخدام المياه المعالجة والمخاطر الصحية

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

أثيرت في الأسبوع الماضي قضية المخاطر الصحية والأمراض التي قد يتعرض لها المواطنون والمقيمون في مملكة البحرين من جراء انخفاض كفاءة محطة توبلي لمعالجة المياه العادمة بسبب تدفق كميات من المياه العادمة تفوق طاقة هذه المحطة وتــــؤدي إلى تراجع كفاءة عملـــية المعالجـــة فيها. وأثير هذا الموضوع بعد نشر أحدى الصحف المحلية تقرير/ مذكرة داخلية عن المخاطر المحتملة لمحطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي وبأن هناك عوامل سلبية عدة في مشروع معالجة مياه الصرف الصحي المستخدمة لري المزروعات، ما يجعلها غير آمنة، وبأن هذا الوضع قد يشكل أخطارا جمة على المتعرضين لهذه المياه سواء من العاملين أو المزارعين أو الجمهور، بحسب ما جاء في الصحيفة.

وبناء على ما نشر أجتمع ممثلو ثلاث وزارات معنية (الوكلاء المساعدون لوزارة شئون البلديات والزراعة، ووزارة الصحة، ووزارة الأشغال والإسكان)، وصدر عنهم بيانا توضيحيا أكد على حرص الدولة على تطوير أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي كافة لضمان إنتاج المياه المعالجة حسب المعايير والاشتراطات العالمية، وأن وزارة الصحة تقوم حاليا بتشكيل لجنة تنسيقية بين الجهات المعنية لمراقبة ومتابعة الجوانب الصحية المرتبطة باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وبأن وزارة الأشغال والإسكان تعكف على تعيين شركة استشارية متخصصة لوضع الدراسات الفنية والهندسية المطلوبة لتطوير وتوسعة مرافق المعالجة في مركز توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي، وذلك لتواكب الأحمال العضوية المتزايدة والمتدفقة ومن ثم ضمان إنتاج مياه معالجة ذات نوعية متوافقة مع المعايير والاشتراطات العالمية. كما نفى البيان وجود ما يثبت العلاقة بين استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا والمستخدمة في الري الزراعي في البلاد وزيادة حالات الإصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي «أ» كما ذكر التحقيق الصحافي.

ومن جهة أخرى دعا رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب، اللجنة المعنية بهذه القضايا في الدولة، وزارة الصحة إلى اتباع الشفافية، وضرورة التوضيح السريع والصريح قبل استخدام أي أداة برلمانية، كما حملت أحدى النائبات وزارة الإشغال والإسكان المسئولية كاملة وطالبتها بالشفافية، وخصوصا أن رد الوزارة على سؤال تم طرحه عليها في أبريل/ نيسان الماضي عن الاستفادة التي حصلت عليها مملكة البحرين من مشروع معالجة مياه الصرف الصحي، قد تم الرد عليه بشكل غير مطمئن ويشير إلى أن احتمال وجود مشكلة في صلاحية المياه لإعادة الاستخدام، إذ جاء رد الوزارة كالتالي <>تدفق الأحمال الهيدروليكية والعضوية الفائقة إلى أنظمة الصرف الصحي، ومن ضمنهـا مركز تـوبلي، يؤدي إلى تراجع في كفاءة عملـية المعالجة في هذه الأنظمة ومن ثم تدهور نوعية المياه المعالجة، وأن وزارة الأشغال والإسكان تتابع وتواصل جهودها المكثفة للارتقاء بالنوعية والجودة وتطوير مرافق المعالجة وتحسين أداء جميع مراكز معالجة الصرف الصحي لتتواكب مع الكم الهائل من الأحمال المتدفقة إلى أنظمة الصرف الصحي العاملة>>.

وفي الواقع فإن موضوع إعادة استخدام المياه المعالجة في القطاع الزراعي هو من الموضوعات المعقدة ويحتاج إلى مستوى رفيع وواع من التخطيط والإدارة المتكاملة وذلك بسبب وجود الكثير من العوامل والمتغيرات المتداخلة التي تؤثر في كفاءة أنظمة المعالجة وعملية إعادة الاستخدام، وكذلك بسبب حساسية هذه العملية لارتباطها الوثيق بصحة الإنسان والبيئة. ولذلك، تتطلب عملية التخطيط والإدارة المتعلقة بها النظر إلى الكثير من الجوانب التي تشمل المؤسسية والتشريعية، والاجتماعية والاقتصادية، والبيئية والصحية، والتقنية، والنفسية.

ولقد تم التطرق في الكثير من المقالات السابقة إلى معظم هذه الجوانب المتعددة بدءا من أهمية إعادة استخدام هذه المياه التي تمثل بشكل متزايد مصدرا مهما من مصادر المياه المتاحة لدول المنطقة تحت ظروف الإجهاد المائي الذي تمر به هذه الدول وفي ظل تسارع معدلات الطلب على المياه في مقابل محدودية الموارد المائية، وبأن هذه المياه يمكنها أن تلعب دورا رئيسا في إدارة الموارد المائية المحدودة إذا ما استخدمت بكفاءة، وخصوصا كبديل لمياه الري في الزراعة الإنتاجية والتجميلية، ويمكنها أن تساهم في تخفيف عجز المياه الحالي والمستقبلي في هذه الدول موضوع معالجة مياه الصرف الصحي، والمعوقات الاجتماعية والتقنية والصحية التي تواجه هذه العملية (أنظر «إعادة استخدام المياه المعالجة في مملكة البحرين... المعوقات، صحيفة «الوسط»، العدد 1402، 9 يوليو/ تموز 2006).

كما تم التطرق إلى نظام المعالجة المركزي الحالي في مملكة البحرين ومخاطره البيئية وضرورة تحويل هذا النظام تدريجيا إلى النظام اللامركزي في المستقبل وعمل الدراسات الاقتصادية والهندسية والبيئية لإنشاء محطات معالجة صغيرة لخدمة مراكز التجمع الحضري البعيدة عن محطة توبلي (أنظر مركزية معالجة مياه الصرف... كلف عالية ومخاطر بيئية، صحيفة «الوسط»، العدد 1325، 23 أبريل 2006)، ودور المواطن في رفع كفاءة محطات المعالجة وإعادة الاستخدام بعدم إلقاء الكيماويات المنزلية والأصباغ وزيوت السيارات المستعملة والزيوت المعدنية والأوراق والمواد الصلبة الأخرى في شبكة المجاري المنزلية، وضرورة تطبيق التخطيط الحضري البيئي المتكامل والفعال بفصل مناطق الخدمات عن المناطق السكنية بحيث يتم تقليل إدخال المخلفات السائلة لها في شبكة تجميع مياه الصرف البلدية (أنظر «دور المواطن في رفع كفاءة محطات المعالجة وإعادة الاستخدام، صحيفة «الوسط»، العدد 1374، 11 يونيو/ حزيران 2006).

كما تم التطرق إلى قصور مشروع إعادة استخدام المياه المعالجة في مملكة البحرين في جانب البحث العلمي (المغيب عموما في حل مشكلات المجتمع البحريني) من حيث ضرورة إجراء الدراسات العلمية التطبيقية المعمقة والإجراءات الاحترازية المطلوبة في أكثر من مجال متعلق بإعادة استخدام المياه المعالجة، مثل التأثيرات البيئية بعيدة الأمد لإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة، والمواصفات والضوابط البيئية لإعادة الاستخدام، والرقابة البيئية المطلوبة لهذه العملية والجهة التي يجب أن تقوم بها (أنظر «ما لم يذكره التقرير حول مشروع إعادة استخدام المياه المعالجة»، صحيفة «الوسط»، العدد 1591، 14 يناير/ كانون الثاني 2007)، وكذلك الحاجة إلى الكثير من المعايير والإجراءات الاحترازية والمراقبة المستمرة لضبط جودة المياه المستخدمة، ودراسات تقييم المخاطر الصحية والبيئية التي قد تنشأ في حال اختلال نظام المعالجة أو انخفاض كفاءته واتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لضمان تقليل نسبة هذه المخاطر، بالإضافة إلى وضع خطة للطوارئ في حال اختلال هذا النظام.

إن جميع هذه الموضوعات المذكورة أعلاه هي من الأمور الرئيسة التي يجب النظر إليها في عملية تخطيط وإدارة المياه المعالجة وإعادة استخدامها بشكل متكامل ولضمان استدامة هذه العملية، وخصوصا أن مملكة البحرين تمتلك خططا طموحة للتوسع في استخدام هذه المياه في الري الزراعي وتعول عليها بشكل كبير في تحسين الوضع المائي فيها. إلا أن القيام بذلك يتطلب ترتيبات وتدابير مؤسسية وتخطيطية وإدارية ذات مستوى عال يفوق الترتيب المؤسسي الحالي في المملكة والمتمثل في تعدد الجهات المسئولة وتشكيل اللجان التنسيقية، وعدم الوضوح الإداري في تحديد الجهة المختصة والمسئولة عن الجوانب البيئية والصحية لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، ومراقبة نوعيتها، وفي اتخاذ الإجراءات الاحترازية للمحافظة على الصحة والبيئة. وهذه الأخيرة تمثل حاليا أحدى الثغرات الإدارية في المشروع، وهي متروكة حاليا في يد وزارة الأشغال والإسكان، الُمنتِج لهذه المياه، ما يمثل أزمة ثقة وتضارب في المصالح لهذه الوزارة، وهو أصلا خارج اختصاصات هذه الوزارة.

ومن جانب آخر، ما زال دور الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية مغيبا في هذا المشروع الوطني الكبير، على رغم من إنشاء الهيئة العامة في العام 2002، بصفتها المسئول الرئيسي في المملكة عن حماية البيئة وتخويلها باتخاذ جميع الإجراءات الوقائية للحد من التلوث البيئي ومنعه، إلا أن دور الهيئة ما زال غير واضح في المشروع، مع العلم أن الكثير من دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، تعتبر الهيئات المسئولة عن البيئة وحمايتها الجهة الأمثل للقيام بالدور الرقابي للمياه المنتجة من محطات المعالجة والمنتجات الزراعية الناتجة عنها بشكل دوري كجهة محايدة ذات صدقية، وإعطائها مسئولية تقييم المخاطر الصحية والبيئية التي قد تنشأ في حال اختلال نظام المعالجة أو انخفاض كفاءته، بالإضافة إلى وضع خطة للطوارئ في حال اختلال هذا النظام، واتخاذ الإجراءات الاحترازية للمحافظة على الصحة والبيئة، ومراجعة معايير الاستخدام بشكل دوري. وقد يمثل تشكيل المجلس الأعلى للموارد المائية في البحرين، الذي سيتم تشكيله من جميع الجهات ذات العلاقة بالمياه في المملكة (تم إحالة المرسوم الخاص بتشكيل المجلس الأعلى للموارد المائية في شهر يونيو الماضي لمجلس النواب)، فرصة إدارية لإصلاح الواقع الحالي، ووضع موضوع معالجة وإعادة استخدام المياه المعالجة على سلم أوليات أجندته. والمطلوب في هذا المجال هو إنشاء نظام مؤسسي وتشريعي لمشروع إعادة استخدام المياه المعالجة، بحيث يضم جميع الجهات ذات العلاقة، ومن ضمنها جهاز البيئة، وتحديد الأدوار المؤسسية والمسئوليات بشكل واضح لكل منها، وصوغ استراتيجية متكاملة تنظر إلى عملية استهلاك المياه والمعالجة وإعادة الاستخدام بشكل متكامل وديناميكي، وتشمل تدريب المزارعين وتوعيتهم وكذلك توعية الجمهور والمستهلكين، والمراقبة وتقييم الأداء الدوريين، والمعايير الصحية والاحترازية، والبحث والتطوير، وبناء القدرات الفنية والتكنولوجية، وخطط للطوارئ في حال اختلال نظام المعالجة، وهذا أقل ما يتطلبه مشروع بهذا الحجم وهذه الأهمية لمملكة البحرين.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً