ثمة نقاش محموم يدور في أوساط الإعلام تارة وفي أوساط النخبة تارة أخرى عن وجود مشروعين للمنطقة الأول أميركي والثاني إيراني يتنازعان في أكثر من ساحة على الدور والنفوذ!
وكما بدأ يقال في هذا السياق حديثا فإن الصراع الداخلي الجاري على السلطة في العراق سواء ما يجري على السطح والميدان أو في الأروقة الخلفية، أو الصراع المتنامي في لبنان منذ اغتيال الحريري سواء على تقاسم السلطات أو في إطار المواجهة المفتوحة مع «إسرائيل» وأميركا، أو الصراع «الطازج» والمستجد بين جماعة حماس وجماعة السلطة، إنما هي صراعات تحمل في طياتها حرب «بالوكالة» بين الأميركيين والإيرانيين!
إنه كلام أقل ما يقال عنه بأنه مسف ويجافي الحقيقة في أكثر من جانب. إضافة إلى كونه يحمل نوعا من الاستخفاف بعقول العامة من الناس ناهيك عن الإهانة التي تلحق بالشعب العربي بقواه وأطيافة المختلفة في أكثر من قطر جراء هذا الاختزال المجحف بالأبعاد الحقيقية لهذه القضايا!
فكيف تتحول القضية العراقية بين ليلة وضحاها إلى مجرد ساحة صراع أميركي إيراني على النفوذ! وهي الساحة التي أريد لها أساسا أن تكون منطلقا للانقضاض على ما تبقى من ممانعة ومقاومة للمشروع الإمبراطوري الأميركي المحفز إسرائيليا والقائم أساسا على شطب إيران من المعادلة «الشرق أو سطية» المستقبلية في سياق معركة هزيمة «محور الشر» التي بدأت بالعراق أولا؟!
أو ما معنى أن تكون الساحة اللبنانية منطقة صراع على النفوذ أو الأدوار بين واشنطن وطهران وكل الذين يعرفون لبنان جيدا والمطلعين على تعقيدات ملفه إن لم نقل ملفاته يعرفون تماما أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني إنما قام في في ركن من أركانه على مقولة القضاء على المشروع اللبناني التعايشي بين الأديان والطوائف واعتباره للبنان النقيض الطبيعي لفكرته العنصرية والاستئصالية، هذا إضافة إلى أطماع الكيان غير القابلة للإنكار بالمياه اللبنانية والدور اللبناني المالي والاقتصادي؟!
وأخيرا وليس أخرا منذ متى كانت الساحة الفلسطينية موطئ قدم للنفوذ أو الدور الإيراني؟! إنها المقولة الأضحوكة التي ما عرضت على عاقل إلا واستغربها! فلسطين المقاومة والكفاح والنضال والقضية المركزية للأمة العربية وخلاصة الصراع الإنساني من أجل البقاء والحرية والاستقلال والوجود هكذا ومن دون مقدمات تصبح مجرد صراع بين واشنطن وطهران على النفوذ والأدوار فقط وفقط لأن طهران تدعم حماس في مقولة استمرار المقاومة! ألم تكن طهران هي من أغلقت السفارة الإسرائيلية واستبدلتها بالسفارة الفلسطينية منذ الأيام الأولى للثورة؟! ألم تقرر طهران قطع علاقاتها مع مصر استجابة لنداء ياسر عرفات من بغداد عندما بعث برسالة عاجلة لها بأن «العرب» تركوه لوحده أمام إعصار كامب ديفيد كما قال وقتها وكنت أنا شاهدا على ذلك؟ من دون أن يعني ذلك مطلقا أنها كانت أو ستكون يوما على عداوة مع مصر بل على العكس تماما لا سيما ونحن نرى ونسمع استعجالا مستجدا لدى الجانب الإيراني بضرورة استعادة الحالة الطبيعية مع مصر ومرة أخرى استجابة لمتطلبات التحدي الفلسطيني!
الفرق الوحيد الذي يجعل من مواقف طهران الداعمة لقضايا العرب اليوم مدعاة للتشكيك والتشويه والتحريف برأي أصحاب الشأن العارفين ببواطن الأمور وهو أن الزمن «العربي» اليوم أصبح «رديئا» فعلا كما كان ينعته الشهيد ياسر عرفات ولطالما اشتكى منه قبل وفاته وحذر من كثير مما يحصل اليوم باسم فلسطين وباسم العرب!
كما أن من يروج لهذه المقولة اليوم ربما يجد لنفسه من دون أن يدري لاعبا للدور المشبوه الذي يصب في صالح من يروجون في المجتمع الدولي لانتهاء العرب ودورهم الإقليمي في المعادلة والمنطقة!
في هذه الأثناء ثمة شعور منتشر في الوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي الأكبر بأن ثمة من يعمل في الليل والنهار على إشاعة الفتنة بين الطوائف والأعراق وجعلها الهم الأول للنخب كما للحكام كما للجماهير «الغلابة» بحيث ما أن تهدأ منطقة إلا ويتم تحريك منطقة أخرى وما أن تنطفئ ساحة إلا ويتم إشعال ساحة أخرى ومن ثم فإن السياسة والمؤامرة منها تحديدا لم تعد بعيدة كثيرا على ما بات يروج من تقارير باسم التحقيق والدراسة والتحليل والاستقرار العلمي لتطور المجتمعات!
فمرة يقولون لنا إن السنة العرب لاسيما في العراق هم المشكلة لأنهم يرفضون «العملية السياسية» السلمية والعقلانية! ومرة يقولون لنا إن المشكلة في الشيعة لأن ولاءهم الحقيقي والنهائي هو لإيران! ومرة ثالثة يقولون إن المشكلة هي في الطموحات الإيرانية والتدخل الإيراني! ومرة رابعة يقولون لنا إن المشكلة هي في ترك العرب سنة العراق من دون دعم وإسناد أو تسليح تاركين أياهم لقمة سائغة للنفوذ الإيراني المتعاظم! ومرة خامسة يقولون لنا إن المشكلة هي في التفاهم الإيراني الأميركي على العراق من وراء ظهر العرب! ومرة سادسة يقولون لنا إن المشكلة هي في استخدام كل من واشنطن وطهران العراق ساحة تسوية حسابات فيما بينهما!
ودائما يقولون لنا إن المشكلة هي في عدم نضج العرب والعجم كما السنة والشيعة في كل الأفكار الإسلامية! وبالتالي عدم «استيعابهم» لمقولات الديمقراطية والنظام الديمقراطي!
ولكن ولا مرة قالوا لنا إن المشكلة هي في الاحتلال وتداعيات الاحتلال والتبعية وتداعياتها وحكم قانون الغلبة وما أدراك ما قانون الغلبة الذي لولاه لما أصبح «المجتمع الدولي» محصورا بدولتين أو ثلاث دول غربية والربيبة «إسرائيل» وما تبقى من الدول ما هو إلا تفصيل تابع لتلك القوى التي غدت تتحكم بالسيف الجديد الذي صار مسلطا على كل من يرفض الانصياع لاملاءاته المتعسفة!
إنهم منتصرو الحرب العالمية الثانية الذين ما أن ينتهوا من تحجيم أو تهميش أو تحطيم قوة متمردة أو مناوئة أو مقاومة لهم إلا ويبدأوا بالأخرى! ويبدو أن الدور قد وصل إلى إيران ليخوّفوا العالم منها ويحشدوا «الناس» عليها ويحرضوا «المجتمع الدولي» الملحق لمجموعة الكبار الثلاثة أو الأربعة - كما اشرنا - ضدها! إله الوهم الأكبر الملغم بالفتن الكبرى والقادم أخطر!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ