وضع المفكر البحريني والوزير السابق علي محمد فخرو في منتدى «وعد» السياسي مساء الأربعاء الماضي عددا من النقاط على الحروف، في معرض تناوله لأولويات العمل العربي.

فخرو شخصية محط احترام وتقدير محليا وعربيا، لما يتمتع به خطابه من صدقية عالية، ورؤية استراتيجية واضحة، في تشخيص أمراض الحالة العربية. وفي الوقت الذي انحرفت فيه البوصلة لدى الكثيرين، فإن بوصلة فخرو ظلت ثابتة بعد مرور أكثر من نصف قرن من الهزائم والانكسارات والمحن العربية، ومازال يحلم بالمشروع النهضوي ويدعو للوحدة العربية، والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية.

فخرو الذي كان يتحدث في ذكرى ثورة يوليو/حزيران 52، قال إن العواصف والمؤامرات التي تحيط بالأمة العربية أضعافا مضاعفة عما كان في الخمسينات. من هنا دعا إلى ضرورة إنجاح ما أسماه «المقاومة» و«الممانعة» للمشروع الأميركي الصهيوني الرامي لتفتيت المنطقة سياسيا ومذهبيا، والهيمنة على ثرواتها النفطية الهائلة، وما يستدعيه ذلك من تكاتف التيارات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية والمستقلة. وبالمقابل، دعا إلى «إضعاف الاستبداد الرسمي العربي للتغلب على الممانعة التي تبديها أقليات الحكم تجاه الديمقراطية الشاملة»، باعتبار أن خيار الديمقراطية كفيل بوقوف الشعب على رجليه، كما في لبنان والعراق وفلسطين.

الصيحة الأهم التي أطلقها فخرو، هي «ضرورة تصالح تاريخي سني شيعي»، وتجاوز عقدة المظلومية، باعتبار أن المظلومية الأكبر في هذا العصر هي مظلومية الأمة العربية والأمم الإسلامية والإسلام. وهي وإن كانت نظرة صائبة تقارب المثال، إلاّ أنها تصطدم بواقعٍ مرّ، بعد أن أصبح الإقصاء والتهميش طريقة سائدة قطريا، إذ تكتشف وجود مؤسسات ومراكز قوى داخل الدولة تعمل على تعميق الخلافات المذهبية، وبالتالي تعميق الشكوك باستمرار حالة الاضطهاد والمظلومية. أما عربيا، فقد أضعنا البوصلة القومية في تحديد أعداء الأمة التاريخيين، واستبدالهم بأعداء آخرين. وهنا كان فخرو واضحا في دعوته لعدم اعتبار إيران عدوا للعرب، في ردّه على السفير الفلسطيني الذي انتقد إيران، خصوصا فيما أسماه «دعم حماس»، إذ قال: «لن أتحدّث عن أن هذه الدولة تتدخل هنا وهناك، فحتى لو اختلفنا مع إيران في بعض مواقفها، إلا أنها دولةٌ تزعج الكيان الصهيوني، ولسنا أوفياء ولن تكون عندنا مروءة، إذا أنكرنا دور إيران في دعم المقاومة (اللبنانية) بالسلاح، الصواريخ جاءت من إيران وليس من أية دولة عربية. أفلا نكون شكورين لهذا الدور»؟

فخرو أطلق نبوءة مخيفة، بتحذيره من أن «الفشل في إسقاط المشروع الأميركي الصهيوني، سيدخلنا في عصر ظلام دامس، قد يمتد عدة قرون». وفخرو يدرك طبعا أن المطلوب لتصفية المقاومة في لبنان (وغير لبنان أيضا) أن يبدأ الإعلام بتشويه كل مواقع المقاومة والممانعة في الأمة، بدءا من توريط القوى الحية والشريفة في زواريب السياسة العربية، وانتهاء بإشعال فتنٍ طائفيةٍ متنقلة تتغذّى على الخلافات المذهبية والتاريخية القديمة، ليتلهى المسلمون بلعبة تكفير بعضهم بعضا، ثم ليغوصوا في دماء بعضهم بعضا، ليبقى الطريق سالكا على أجسادهم لاستغلال النفط والغاز.

فخرو ليس سنيا ولا شيعيا، بحيث يمكن اتهامه بالتبعية إلى إيران أو التعاطف مع حماس، فهو يجاهر بالدعوة إلى مذهب إسلامي جديد مادام دعاة المذاهب الحاليين متمسكين بمواقعهم المذهبية، وهو عروبي ظلت بوصلته قومية أصيلة كالذهب الخالص الذي لم يتغير بعد نصف قرن.