تستعد وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، برفقة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، لزيارة المنطقة في نهاية الشهر الجاري بهدف عقد لقاءات مع مسئولين في القاهرة وعمّان وتل أبيب.
زيارة وزيرة الخارجية متوقعة لأنها جاءت في سياق دعوة وجهها الرئيس جورج بوش لعقد «مؤتمر دولي» لمناقشة تطورات ملف «الشرق الأوسط» والبحث في إمكان تأسيس دولة فلسطينية «قابلة للحياة». الجديد في الموضوع هو مرافقة وزير الدفاع وزيرة الخارجية في جولتها وهذا يعني أن أوراق الزيارة ستكون شاملة وأوسع من الدائرة الفلسطينية.
هناك ملفات عدة يرجح أن تكون موضع نقاش في جولة الوزيرين وهي ستشمل إضافة إلى الموضوع الفلسطيني مجموعة أوراق تتصل بالملف النووي الإيراني والاتصالات العملية الجارية في بغداد بين طهران وواشنطن وأمن الخليج ومستقبل المنطقة ودول الجوار في حال قررت إدارة بوش الانسحاب أو تجميع القوات قبل انتهاء ولايته في العام 2008.
أميركا في وضع صعب وهي في سباق مع وقت يتآكل بسرعة ويضغط بقوة على «البيت الأبيض». فالإدارة وعدت الكونغرس أنها بصدد تغيير سياستها في العراق وراهنت على «خطة أمنية» اعتقدت أنها ستكون بمثابة ذاك «المفتاح السحري» لحل مشكلات تواجه الاستراتيجية العسكرية في بلاد الرافدين.
الآن بدأ موعد الحساب يقترب وعلى وزير الدفاع تقديم تقريره النهائي بشأن مدى نجاح «الخطة» وفشلها وبالتالي الإجابة عن سؤال: ماذا بعد؟
«ماذا بعد» سؤال كبير يواجه إدارة بوش في الأسابيع المقبلة. وهذا ربما يكون من الموضوعات التي ستناقشها رايس برفقة غيتس مع كبار المسئولين في دول «الشرق الأوسط».
سؤال «ماذا بعد» لا يعني العراق فقط، وإنما ستكون له تداعياته الأمنية والسياسية التي ستزعزع استراتيجية أميركية كبرى في منطقة غنية وحساسة وتتمتع بموقع جغرافي استثنائي في التوازنات الدولية. وبما أن ملفات المنطقة مترابطة من طهران إلى غزة ودارفور فيرجح أن تكون انعكاسات الجواب على «ماذا بعد» كبيرة وشاملة وخطيرة.
هل تنسحب الولايات المتحدة نهائيا من العراق؟ وإذا انسحبت كيف سيكون الوضع في بلاد الرافدين؟ وكيف ستنعكس أوضاع العراق على دول الجوار؟
هل ستتخلى واشنطن عن مسئولياتها الأمنية في العراق؟ وإذا تخلت عن مسئولياتها لحكومة نوري المالكي أو غيرها ماذا سيحدث في بلاد الرافدين وكيف ستكون صورة العراق بعد اتخاذ هذه الخطوة؟
هل ستتجمع القوات الأميركية في قواعد عسكرية ومهابط طيران في العراق أم أنها ستغادر نهائيا بلاد الرافدين؟ وإذا تجمعت أين ستكون قواعدها؟ وإذا غادرت إلى أين ستغادر؟
أسئلة كثيرة تضغط على إدارة بوش ولم يعد أمام «البيت الأبيض» متسع من الوقت للمماطلة أو المناورة وخصوصا أن الكونغرس يتابع ويراقب كل خطوة تقوم بها واشنطن. فالكونغرس الذي تحول بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من غالبية جمهورية إلى غالبية ديمقراطية أصبح يشكل هيئة إشرافية تشريعية تراقب إدارة بوش وتحاورها وتحاسبها وتلاحق كل قرار تصدره الرئاسة. وأيضا - وهذا هو الأهم - بدأ أعضاء الكونغرس ينشطون إعلاميا ويعمدون فعليا إلى إصدار قرارات تشترط على بوش اتباع سياسة معينة تمس استراتيجيته وتعطل عليه خططه ومناوراته.
في الأسبوع الماضي مثلا صدق مجلس النواب الأميركي بغالبية كبيرة على مشروع قانون يحظر على الولايات المتحدة الاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة (أو ثابته) على الأراضي العراقية. كذلك يحظر القانون على إدارة واشنطن ممارسة أي نوع من السيطرة على النفط العراقي.
مشروع القانون مهم للغاية لأنه يزعزع أركان الاستراتيجية الأميركية ويعطل على بوش الاستفادة من كل الخطط التي جاء من أجلها إلى بلاد الرافدين. المشروع لم يتحول إلى قانون نهائي ولم يرفعه الكونغرس إلى «البيت الأبيض» وهو أيضا يحتاج إلى توقيع الرئيس وموافقته، ويستطيع الرئيس استخدام صلاحيات الرئاسة لرده أو نقضه. ولكن مجرد مصادقة غالبية الكونغرس على هكذا توجه فمعنى ذلك أن المزاج الأميركي (الناخب ودافع الضرائب) وصل إلى حد التناقض مع سياسة واشنطن.
المشروع يقول بكل وضوح إن على إدارة بوش اتخاذ قرار سياسي بسحب كل القوات الأميركية نهائيا من بلاد الرافدين، كذلك يحذر من استخدام سلطات الاحتلال لفرض اتفاقات تلزم الحكومة العراقية على تقديم تنازلات تجيز السيطرة للشركات النفطية على حقول الإنتاج. فالمشروع يشتمل على نقطتين: الأمن والنفط. وهذا يعني أن الكونغرس يطالب إدارة بوش بالتخلي عن أهم نقطتين في مشروعها الهجومي التقويضي الذي باشرت بتنفيذه في المنطقة بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.
الأولوية للانسحاب
إلى ضغوط الكونغرس هناك ضغوط المترشحين إلى مقعد الرئاسة التي ستعقد دورتها في نوفمبر 2008. فالمترشحة الديمقراطية الأوفر حظا هيلاري كلينتون ألحت مرارا على وزير الدفاع الإجابة عن سؤال طرحته: هل تملك الإدارة خطة انسحاب من العراق؟ وبعد تكرار السؤال أجاب غيتس في رسالة بعثها إلى المترشحة الديمقراطية بالتأكيد على وجود خطط طوارئ لانسحاب القوات الأميركية. وأرفق غيتس جوابه بإشارة واضحة وهي أن خطط الانسحاب تمثل «أولوية» في السياسة المقبلة.
ماذا يعني وزير الدفاع الأميركي في استخدام مفردة «الأولوية»؟ فهل يعني أن الأولوية للانسحاب وكل ما عداها أصبح خارج الأولويات؟ أم أن «الأولوية» تتصل بالخطط وليس الانسحاب بعينه؟ مجرد اعتبار غيتس مسألة خطط الانسحاب من الأولويات أو «أولوية» على كل الأولويات فمعنى ذلك أن إدارة بوش أصبحت جاهزة نفسيا للإعلان عن «شيء ما» في المستقبل القريب.
غيتس الذي أصبحت خطط الانسحاب من أولوياته سيرافق رايس في جولتها على دول المنطقة في نهاية الشهر الجاري. وهذا يعني في اللغة الدبلوماسية أن وزير الدفاع الأميركي بصدد اطلاع زعماء العواصم على مشروع خطة للانسحاب أو ما يلامسها.
احتمالات الخداع لاتزال واردة إلا أن ما لا يمكن تجاهله هو اشتداد الضغوط الداخلية (الكونغرس والحزب الديمقراطي) على الإدارة الأميركية وعدم قدرة الرئيس على الاستمرار أو المبالغة في استخدام صلاحيات الرئاسة لتعطيل قرارات النواب ومشروعات القوانين التي تزعزع استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط». فالاستراتيجية التي تقوم على مجموعة عناصر أبرزها الأمن والنفط بدأت تتعرض إلى ضغوط الكونغرس ومشروعات قوانين تحظر على الإدارة التصرف وفق توجهات الرئيس وإدارته. الرئيس يستطيع الرد ولكن إلى مدى ومتى يمكن له تجاهل كل هذه الضغوط التشريعية والانتخابية؟.
هذا السؤال لابد أن تكون رايس برفقه غيتس تملك الجواب عنه. فالجولة التي ستبدأ في نهاية الشهر الجاري تحت عنوان تمهيد الطريق والاتصالات لعقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل لبحث الملف الفلسطيني وقضايا «الشرق الأوسط» لابد أيضا من أن تشمل الكثير من النقاط الحارة والحساسة. وبما أن العراق يشكل حجر الزاوية بالنسبة للأولويات الأميركية فإن «أولوية» خطط الانسحاب أو ما يلامسها ستكون من الأفكار الأساسية التي ستطرح على جدول أعمال رايس في جولتها القريبة جدا. فالأولوية في جولة رايس الأميركية ستكون للعراق وليست لفلسطين.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1786 - الجمعة 27 يوليو 2007م الموافق 12 رجب 1428هـ