وإذا كانت أوضاع النساء في العالم على ذلك النحو، فإن أوضاع النساء في المنطقة العربية أسوأ منها بكثير. إن نظرة على خريطة اضطهاد النساء في العالم تبرز بشكل واضح لالبس فيه أن المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تخلفا تشريعا وواقعا. فقد ورد في «تقرير التنمية الإنسانية العربية» لسنة 2002 الذي أنجزه برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن المنطقة العربية تأتي في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم، بحسب مقاييس «تمكين المرأة» ولن تقل عنها إلا إفريقيا جنوب الصحراء.
ويأخذ هذا المقياس في الاعتبار جميع المؤشرات المتعلقة بمشاركة المرأة في الحياة المدنية والسياسية. ولاغرو أن «تتبوّأ» الأقطار العربية مثل هذه المرتبة والحال أن نسبة الأمية فيها تقدر بـ51 في المئة مقابل13,1 في المئة لأميركا اللاتينية والكاراييبي 8,1 في المئة لشرق أوروبا وجمهوريات الكومنولث الروسي، مثلا. كما أن نسبة النساء المشاركات في النشاط الاقتصادي والاجتماعي هي من أضعف النسب عالميا.
وعلى صعيد آخر فإنه لاتوجد دولة عربية واحدة تقرّ بالمساواة التامة بين الجنسين في تشريعها. ولايزال تعدد الزوجات هو القاعدة التشريعية المعمول بها في جميع الأقطار العربية (عدا تونس)، وما يستتبع ذلك من وضع دوني داخل العائلة. ولا تتمتع النساء العربيات في الكثير من الأقطار بحقوقهن السياسية حتى ولو شكليا. وهن محرومات، في بعض تلك الدول، حتى من حقوقهن الفردية مثل سياقة السيارة أو السفر من دون إذن من ولي أمرها، أبا كان أم زوجا، أو إبنها البكر في حالات معينة.
وعموما فإن الوضعية البائسة للنساء العربيات تتحمل مسئوليتها، بشكل أساسي، الأنظمة الحاكمة التي لم تأخذ من العصر والحداثة إلا «القشور السطحية», فهي إلى اليوم تحافظ على تشريعات متخلفة ولاإنسانية أصلا وعلى واقع يعود إلى القرون الوسطى يؤبّد النظرة الدونية للمرأة. كما تساهم بعض الحركات السياسية في صفوف المعارضة في تأبيد هذا الوضع من خلال ما تمارسه من «ضغط» ماضوي و»كهنوتي» لسد الباب أمام إمكان تحرر نصف المجتمع.
وعلى رغم بعض التشريعات التي سنتها بعض الدول العربية والتي تحاول من خلالها التقليص من هذه الفوارق، إلا أن المؤشرات كلها تؤكد أن المسار المؤدي إلى تماثل الأجور سيكون طويلا، وخصوصا أن النساء يجدن صعوبات كبيرة في الإرتقاء في السلم الوظيفي والوصول إلى المناصب القيادية العليا وهو الأمر الذي من شأنه أن يُرفع في أجورهن.
بقيت مسالة أخيرة تعاني منها المرأة، عموما، أكثر من الرجل، وتلك هي العمالة غير المأجورة، والمقصود بها هنا العمل الذي ينتج سلعا» أو خدمات لكن من دون مقابل. ويشمل ذلك العمل المنزلي والإنتاج المعيشي والإنتاج غير المأجور لمواد السوق، بحيث لا يخلط بينه وبين « العمل العائلي غير المأجور»، وهو مصطلح تستخدمه الوكالات الإحصائية في بعض الدول النامية كفئة لتصنيف إنتاج سلع تسويقية في المنزل أو في المزرعة بغير أجر، كصناعة منزلية وإنتاج ريفي.
وترفض الاتجاهات الكلاسيكية الجديدة البحتة التعبير «غير مأجور» إذ إنها تفترض إن قرار توفير اليد العاملة يتخذ طوعا» وبعقلانية مقابل عائد ما سواء كان عائدا» نوعيا» أو نقديا». بيد أن المصطلح يفيد في تحليل حالة الأداء في العمل المنزلي لأن حصيلته وهي صيانة القوى العالمة، تعتبر مفيدة للاقتصاد ككل، على رغم أنه لا يدفع ثمنه بالكامل. فالاقتصاد الكلّي نفسه يستفيد من توفير مصلحة عموما، وهو إذا» «مستفيد مجانا» Free Rider على حساب النساء اللواتي يشكلن اليد العاملة الرئيسة في القطاع غير المأجور.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة الإنمائية (UNDP) أن العمل غير المدفوع الأجر على مستوى العالم، إذا ما قّيم على مستوى قاعدة الأجور الحالية يصل إلى ما قدره 16 ترليون دولار أو ما نسبته أكثر من 70 في المئة من الـ 23 ترليون دولار وهي القيمة التقديرية لإجمالي الناتج العالمي ونحو ثلثي هذا العمل تقوم به النساء. وتبنى المؤتمر الرابع للمرأة في بيجين (1995) برنامج عمل يلزم الحكومات على العمل نحو إدماج مقياس وتقييم للعمل الذي تقوم به النساء في المنازل ضمن حساباتهم الوطنية.
في ضوء كل ما تقدم أليس من حق تاء التأنيث العربية أن تطالب بوقف الإجحاف الذي تعاني منه وتدعو إلى شيء من الإنصاف بحقها؟ وبالقدر ذاته أليس من واجبنا أن نستجيب لهذه المطالبة ونساهم في إنصافها؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1785 - الخميس 26 يوليو 2007م الموافق 11 رجب 1428هـ