لعلنا نعيش زمن العجائب والغرائب، فكلما تحدثنا عن قضية من قضايا الشأن العام ظهرت لنا عشرات القضايا التي تحتاج منا الوقوف عليها لتحليلها تارة والبحث لها عن حلول ومخارج تارة أخرى.
قلمنا بات لا يعرف السكون أو النوم قرير العين، كما أن حبره يعاود شحن نفسه بنفسه حتى يستطيع أن يسطر ما بداخله وحتى لا يقال عنه إنه قلم كسول يتهرب عن مسئولياته أمام مجتمعه.
قلمنا هذه المرة وكعادته تجول بين الدهاليز ووجد أن هناك حاجة لتسليط الضوء على واحدة من أهم القضايا التي لا ينبغي لنا السكوت عنها، وبالتالي سأترك للقلم أن يخط ما يلج به في زمن الغرائب والعجائب، إذ اختار أن يكتبها في شهر رجب أو العجب.
قصة تمتد لأكثر من 20 عاما وتحكي قصة الحرمان والغبن والتهميش والقهر الذي يعانيه أهالي مدينة حمد مجمع 1204 الذين لايزالون إلى الآن يحلمون بكبينة على الأقل بدلا من مسجد للصلاة فيها.
نعم، مازالوا يحلمون، بعد أن أغلقت الأبواب في وجوههم وشحت الأراضي ووزعت على كل من هب ودب من دون حساب للأجيال القادمة ومن دون النظر إلى أسباب التنمية التي مازلنا نتشدق بشعاراتها كلما ذكرناها كلفظة عابرة، كما لم يتم الالتفات إلى الاحتياجات الأساسية للمدن الجديدة في بلدة تعرف بالتزامها الديني وحفاظها على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وفي مدينة تعد من أحدث مدن البحرين ويحمل اسمها اسم جلالة الملك كان حريا بنا أن نعمل على جعلها مدينة نموذجية تحمل الطابع العام للبحرين وتختزل البحرين وتاريخها العريق.
أهالي مدينة حمد يرون بدورهم قصتهم مع طلبهم فبعد أن وعدوا بالحصول على قطعة أرض لبناء مسجد لهم للصلاة فيه، وطال انتظارهم لتحقيق الوعود، وبعد أن ملوا من الانتظار، صحوا ذات يوم على الحقيقة المرة التي لا يمكن نسيان مرارتها، وبين عشية وضحاها تحول الحلم الكبير إلى أصغر حلم لا يحلمه طفل عمره عامان فكيف لمدينة مضى على إنشائها 21 عاما لايزال أهاليها يحلمون في الحصول على أرض لبناء مسجد لهم؟
الآن كل ما يحلمون به كبينة للصلاة فيها بعد أن تم إبلاغهم ذات مرة أن الأراضي المخصصة لبناء المساجد انتهت «بح».
بعد اطلاعي على الوثائق والمراسلات التي تمت بين أهالي المجمع والجهات المعنية وجدت أن طلبهم يرجع إلى العام 1986م، هل تصدقون صبرهم وقدرتهم على الانتظار؟
الآن أحلامهم تتجه بشكل غاية في التواضع إلى تبدد المنغصات الأخرى التي تأتي من وراء وجود الكبينة، وعلى رغم أنه لا توجد أية مساجد لهم، وتحركهم الدائم في سبيل الحصول على أرض لبناء مسجد طوال السنوات الماضية، علما بأن المجمعات الأحدث من ذلك المجمع حصلوا على أراضٍ لبناء مسجد وانتهوا من ذلك ولاتزال العراقيل قائمة لمنع مشروعهم الديني الاجتماعي الثقافي.
لقد اتضح أن السبب الحقيقي لعدم بناء المسجد لهم ليس لعدم توفر الأراضي وإنما بهدف محاصرة الناس في عقيدتهم بدليل أن الكبينة التي حصلوا على أذن لإنشائها عادت وبعد جهود كبيرة تكبدت التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والمجالس البلدية عادت هي الأخرى وأزيلت من جديد، فالأمر أكبر بكثير من أرض ومسجد، المسألة لها أبعادها الأخرى التضييق والتمييز الطائفي البغيض الذي بات شبحا علينا تحمله، فالشبح لايزال يحاصر المنطقة ويفضل طائفة على أخرى، لم يكن التمييز ليرحم البعد الديني بل أصبح همّا يجب أن يأخذ حقه الكاف لكي يقوم بدوره على أتم وجه، وليكن ما يكون.
أصبحت المناطق المجاورة لأهالي مدينة حمد ملاذا أخيرا للسياحة الدينية في المواسم الخاصة، ولكن الصلاة أصبحت أثقل همّا، فكيف لهم أن يتنقلوا من مكان إلى آخر وهم ينشدون خمس صلوات في اليوم؟
ربما من مهازل القدر، أن تكون هناك منطقة في دولة إسلامية تتحسر على قطعة أرض لبناء مسجد لها لإقامة شعائر الله فيه، لا بغرض الدروس السياسية، في الوقت الذي تتحذف فيه الأراضي على القاصي والداني، وكأن البحرين لم تتسع إلا لغير أهلها في الوقت الذي يضج فيه البحريني من الضيق والضجر كلما شعر بحاجته إلى أرض، لدرجة أن البعض يشكك في حصوله على قبر إذا ما مات لأن المقابر هي الأخرى لم تسلم.
أخيرا لو أن أهالي مدينة حمد وتحديدا أهالي مجمع 1204 يعلمون الغيب، وعلموا بأن عليهم الانتظار طويلا في طوابير الانتظار وعلى قوائم الانتظار لكي يبقى طلبهم بين أروقة المؤسسات المعنية بإصدار أوامر رفيعة المستوى لوهبهم أرض لبناء مسجد لهم مرة وطوابير أخرى لإصدار تراخيص لبناء كبينات مرة أخرى لانتفضوا من زمان بغرض الإصرار على المطالب، أما الآن وقد شحت الأراضي ولم يبق منها شيء، أصبح الموضوع لا لون له ولا طعم وأعتقد أن عليهم من الآن فصاعدا أن يتكيفوا مع الوضع الجديد وأن يصروا على ضرورة توفر كبينة على الأقل لتظل هي الأخرى شاهد عيان على الغبن الحاصل والمفاضلة المفرطة، هذا إذا ما سمح لهم أصلا بإنشاء كبينة، وإذا لم نسمع أصواتا نشازا تطالبهم بحصر عبادتهم في بيوتهم لكيلا يزعجوا بعض سكان المنطقة، وخصوصا أن صوت المؤذن يتعالى خمس مرات في اليوم وفي أوقات متفرقة.
فحتى كبينة على الأقل يا أهالي مدينة حمد ويا سكان مجمع 1204 أصبح مطلبا صعب المنال، وعش رجبا ترى عجبا أعانكم الله وأعاننا.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1784 - الأربعاء 25 يوليو 2007م الموافق 10 رجب 1428هـ