في ثمانينات القرن الماضي اشتهرت لعبة أطفال وازدهرت مبيعاتها في السوق. اللعبة بسيطة ولكنها شكلت للطفل جاذبية لكونها تعتمد على فكرة التحول. فالطفل كان بإمكانه أن يغير شكل اللعبة من رجل آلي إلى سيارة أو رافعة أو طائرة في حال نجح في تعديل زوايا المكعبات.
الذي ابتكر الفكرة نجح في عملية الخداع وتدريب الطفل على التفكير والتغيير في حال استخدم الحد الأدنى من الانتباه.
وبسبب اعتماد مبتكر اللعبة على فكرة التحوّل نجح في كسب عقل الطفل الذي يتعامل مع الأشياء كما هي ولكنه إذا أراد يستطيع تغييرها إلى الشكل الذي يريده أو يحبه.
اكتسحت اللعبة السوق وأصبح الأطفال يرغبون فيها لأنها كانت تظهر في المكعبات. وكل مكعب يحوي مجموعة أشكال. فكرة التحوّل من حال إلى أخرى تعتبر نقطة مركزية في الفيلم الذي يعرض الآن في سينما السيف.
مخرج المتحوّلون (Transformers) استخدم أدوات اللعبة وقام بتحويل الفكرة إلى شريط سينمائي مثير في مشاهده. وبما أن اللعبة بسيطة قام المخرج بإعادة تركيب المكعبات ضمن سيناريو أعطى الفكرة بعدها الزمني والفلسفي من دون تعقيدات وأوهام يصعب على الأطفال إدراكها.
السيناريو اعتمد البساطة لتقريب الفكرة من عقل المشاهد. وبما أن المسألة من أساسها مختلقة قام المخرج باختراع عالم فضائي خارج الكون حصلت فيه صراعات بين قوى الخير وقوى الشر وأدت إلى فنائه بسبب طمع فريق وحبه للتسلط.
الفكرة إذا واضحة في أصلها وبعدها الزمني. أما كيف انتقلت هذه المكعبات إلى الأرض فهذه الفكرة لها أصلها أيضا. ففي نهاية القرن التاسع عشر ومطلعه كانت الاكتشافات الجغرافية توسعت لتصل إلى القطبين الشمالي والجنوبي. وخلال فترة عمل كانت تقوم به بعثة واجهت صعوبات في الشمال حصل حادث أدى إلى اكتشاف مخبأ في كهف جليدي في القطب توجد فيه مكعبات نقلت لاحقا إلى مكان سري في أميركا.
بعد هذا الحادث تتوقف الرواية لتنتقل فورا إلى أيامنا. ويبدأ السيناريو بإعادة ربط حلقات السلسلة بدءا من الأخيرة. فالفيلم ينقل المشاهد إلى معهد في ولاية أميركية يقوم خلالها شاب بتقديم رواية عن جده المغامر. الحفيد لا يعرف قصة جده ولا قيمته التي بقيت طي الكمان. ويعرض الحفيد على التلامذة شراء بعض ممتلكات جده من معدات استخدمها في بعثات الاستكشاف ومنها نظارته القديمة. التلامذة يرفضون شراء المعروضات فيذهب الحفيد إلى عرضها للبيع على شاشات الانترنت مقابل مبالغ زهيدة.
هنا تدخل الرواية المنعطف الجديد إذ أدى نزول نظارة الجد في الإنترنت إلى تحريك المكعبات (الآليات) وتوليد حركة اتصال بين تلك المفقودات التي عثر عليها في الكهف الجليدي ونقلت إلى مكان سري في أميركا.
وهكذا يبدأ استعادة الماضي ويتجدد الصراع بين الآلات المتحوّلة لتستأنف معاركها القديمة بين الخير والشر. ويحصل الهجوم الأول على قاعدة أميركية عسكرية في قطر وينجح المتحوّلون الأشرار في السيطرة على القاعدة وتحطيمها والقضاء على القوات العاملة فيها باستثناء مجموعة صغيرة نجت من الموت ونجحت في تصوير جوانب من الهجوم ونقله عبر الأقمار الاصطناعية إلى مركز القيادة في الولايات المتحدة.
ترتبك إدارة واشنطن من مشاهد الهجوم. وتعتقد بداية أن دولة معادية نظمته. وتأخذ الإدارة بتحليل الاحتمالات وترجيح أن هذه الدولة (الصين) أو تلك (روسيا). ولكنها تتوصل إلى قناعة تفيد بأن التطور التقني لم يصل بعد إلى هذا المستوى من التقدم الهائل الذي عجزت أحدث الأجهزة عن تعطيله أو مواجهته.
يعود المخرج بالمشاهد من قطر إلى تلك الولاية الأميركية حين يبدأ الشاب الذي يريد بيع معدات ونظارة جده بالتعرض إلى مطاردة من أشباح آليات تتحوّل أشكالها وأجسادها من نماذج إلى أخرى. وتبدأ قصة علاقة الشاب بالمتحوّلين حين يشتري له والده سيارة قديمة ورخيصة السعر بناءّ على وعد قطعه سابقا. وفجأة يتبين أن السيارة التي وجدت مصادفة في المرآب تعود إلى فريق المتحوّلين. فالسيارة تشبه تلك اللعبة التي تتحوّل من شكل إلى آخر. وسبب مطاردتها للشاب يعود إلى أنها تريد السيطرة على نظارة جده التي عرضها للبيع بسعر رخيص على شاشة الإنترنت. فالفريق عرف الاسم والعنوان وعرف مكان النظارة القديمة والنادرة التي فقدت منذ زمن طويل.
النظارة إذا ذات قيمة تاريخية ولا تقدر بثمن بسبب التصاق شيفرات (رموز) عليها مصادفة. ومن يحصل على تلك الأسرار يستطيع امتلاك عناصر تقنية متفوقة تعطي الطرف كل ما يريده لفرض شروطه على الفريق المنافس.
وهكذا يبدأ صراع «الأخيار» مع «الأشرار» وتتجدد تلك الحرب التي أدت إلى فناء ذاك العالم الفضائي خارج الكون. الفريق الجيد من الآلات المتحولة يرفض التدخل في عالم البشر ويميل إلى ترك الناس يعيشون كما هم على الأرض حتى لا تحل بهم كارثة كتلك التي وقعت قبل آلاف السنين. الفريق السيئ يريد الحصول على المعلومات اللاصقة على النظارة؛ لأنه يتجه نحو فرض نفوذه والسيطرة على عالم البشر وسحقهم وإذلالهم.
الصراع بين الفريقين حاول المخرج تصويره في سياق تضارب آلات متحوّلة شريرة ضد آلات متحولة جيدة. الأولى تستخدم القوة للتفوق وقهر الآخر والثانية تستخدم القوة للمساعدة والتخفيف من معاناة الناس. وهكذا يدخل المشاهد في عالم تتضارب به الآلات بخشونة من أجل السيطرة على النظارة التي تلتصق بها معلومات نادرة تعطي الفريق القدرة للتفوق على الآخر.
بهذه المداخل البسيطة ربط المخرج حلقات الفيلم. هناك نظارة فقدت يبحث عنها «متحولون». وهناك شاب لا يدري ما عنده ويريد بيع نظارة جده للحصول على ثمن بخس لينفقه على شراء حاجات تافهة. وحين يضع الشاب صورة النظارة على شاشة الإنترنت مع اسمه وعنوانه تتحرك الآلات وتبدأ بالتنافس للحصول على تلك الثروة من المعلومات. وتكون الولاية ومدنها ساحة للصراع بين الأشرار والأخيار. والشاب إضافة إلى تلك الحفنة التي نجت من الموت بعد الهجوم التدميري على القاعدة الأميركية في قطر يتحولان إلى أبطال يعملون على مساعدة الأخيار للحصول على تلك النظارة حتى لا تقع في أيدي الأشرار.
فكرة الفيلم عادية ولكنها على رغم بساطتها حاولت تقديم بعد زمني للعبة أطفال مع شروح فلسفية للتقدم ومخاطره في حال انزلق وذهب بعيدا في تطرفه واستخفافه بالإنسان وعقله.
الشر إذا مسألة موجودة ليست بين البشر وإنما أيضا في وسط الآلات. فهناك آلة شريرة وهناك آلة خيرة. وهناك معلومات تستخدم لخدمة الإنسان وهناك من يستغل تقدمه وتفوقه وعلومه لقهر الإنسان وإذلاله. وبطبيعة الحال ينتهي الشريط السينمائي بنجاح الآلات المتحوّلة الجيدة في التوصل إلى النظارة وتحقيق التفوق على الأشرار. والفكرة البسيطة التي ينتهي إليها الفيلم جميلة لأن المخرج يقرر أن يترك الإنسان بحرية من دون تدخل من قوى جبارة تمتاز بها تلك الآليات المتحركة.
فالآلة في النهاية وجدت للمساعدة والخدمة وإذا تجاوزت حدودها هذه فإن حياة الإنسان ستصبح صعبة وقابلة للخراب.
«المتحوّلون» صنع للأطفال معتمدا على لعبة أطفال انتشرت في السوق في ثمانينات القرن الماضي. وأهمية المخرج أنه أخذ هذه الفكرة المبتكرة وبنى عليها رواية تاريخية (زمنية فلسفية) من البداية (المنشأ) حين تطورت المكعبات وتصادمت وصولا إلى النهاية وهي انتصار الإنسان بمساعدة آلات تريد الخير للبشرية وتبتعد عن الشر أو استخدام التفوق وسيلة للسيطرة.
العدد 1784 - الأربعاء 25 يوليو 2007م الموافق 10 رجب 1428هـ