اختيار أسماء الأفلام سلاح ذو حدين فقد يكون فاتحة خير على الفيلم ويحقق له إيرادات قوية وفي الوقت نفسه قد يمثل صراعا مزمنا للمؤلف وفريق العمل ويتسبب أحيانا بإحداث أزمات سياسية بين الدول أو تشهيرا بعائلة أو اعتراضا من الرقابة والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، من بينها فيلم «غول الصين العظيم»، الذي اعترضت عليه السفارة الصينية وطالبوا بتغيير اسمه لأنه يسخر من أهم آثارهم التاريخية وفعلا تغير اسمه إلى «فول الصين العظيم»، كما اعترضت سفارة الفلبين على اسم فيلم «ولا في النية أبقى فلبينية» لأحمد آدم وتغير الاسم إلى «ولا في النية أبقى» وفيلم «أشتاتا شلتوت» الذي تغير إلى «أشتاتا أشتوت» بعدما اعترضت عليه أسرة العالم الجليل محمد شلتوت، وكان آخر الأفلام التي تم الاعتراض على اسمها فيلم «منتهى اللذة» الذي تحول إلى «الحياة منتهى اللذة».
نعاود فتح الملف بعدما تناقلت الصحف خبر اعتراض أقارب الفنان عبدالحليم حافظ على اسم فيلم «عندليب الدقي» وظاهرة تغير أسماء الأفلام تطرح سؤالا مفاده: هل يمكن اعتبار اعتراض البعض حقا مشروعا لهم أم أن ذلك يمثل إلغاء ومصادرة لحرية أصحاب هذه الأفلام؟ هذا ما سنتعرف إليه في سطور هذا التحقيق.
توجهنا إلى بعض النقاد وصناع السينما لنرى هل من حق البعض أن يعترضوا على أسماء الأفلام أو أنها حرية لأصحاب الأعمال.
يقول الكاتب أسامة أنور عكاشة: «هذه الأسماء تعبر عن طبيعة الأعمال المقدمة والإناء ينضح بما فيه فهي تعبر عن حال السينما حاليا وما وصلت إليه من إسفاف، فلو كانت تلك الأفلام جادة وهادفة لما حدثت تلك الاعتراضات على الأسماء، وأنا لا أذكر أنه قد حدث اعتراض على اسم فيلم في تاريخ السينما من قبل إلا إذا كان العمل قد تم من دون استئذان صاحبه، وبالتالي فإني في الأساس معترض على مضمون بعض الأفلام قبل الاعتراض على أسمائها على رغم أن هناك أفلاما أصبحت إلى حد ما جادة في السينما الآن».
فرض وصاية
على حين يرفض السيناريست تامر حبيب الوصاية فيقول: «مجموعة العمل بالفيلم هي التي تختار الاسم ولو أني سيد الموقف فسأرى أنه لا يحق لأحد أن يتدخل في العمل الفني. والمبدع بالتأكيد يرفض الوصاية، وإذا تسبب اسم الفيلم بمشكلة هددت بمنع عرض الفيلم نفسه فلا مانع من تغيير الاسم لأن الأهم هو مشاهدة الجمهور للفيلم نفسه».
أما المخرج وائل إحسان فيقول: «حرام أن نتحدث عن فيلم لم نشاهده فلابد أن ننتظر حتى نشاهد الفيلم ونقوّمه بصورة سليمة، ومن الممكن أن تكون تلك الأسماء معبرة عن المضمون».
ويقول: «أتعجب من الناقد الذي يعترض على اسم الفيلم قبل أن يشاهده، والفنان حر في اختيار الاسم وله مطلق الحرية في ذلك ولا يمكن محاسبته قبل ظهور العمل، وأنا بصفتي مخرجا لفيلم (عندليب الدقي) فإني أرى أنه ليس له علاقة بالفنان الكبير عبدالحليم حافظ، إذ يجب أن ينتظروا حتى يخرج العمل إلى النور، وبعد ذلك نقوّمه بشكل موضوعي فالتسرع في الحكم فيه إجحاف لحقوق الفنانين، ولا يكون الحكم موضوعيا ومن الممكن أن تكره شخصا لمجرد أن اسمه لا يعجبك ثم تفاجأ بأنه إنسان جيد، فأنا مثلا أكره اسم وائل وكنت أتمنى أن يكون اسمي غير ذلك محمد أو أحمد، أما وائل فكنت أشعر أنه اسم تلميذ في السنة الأولى أو الثانية إعدادي فليس الاسم هو الذي يعبر عن العمل ولابد من انتظار عرض الفيلم حتى يتم الحكم عليه».
اختيارات فجة
ويرى رئيس المركز القومي للسينما الناقد علي أبوشادي أنه تم تحميل الموضوع أكثر من اللازم فيقول: «مع رفضي هذه الأسماء على كونها اختيارات فجة، إلا أني لست مع الحملة ضدها، فهي لا تختلف عن أسماء أفلام، مثل (كيمو وأنتيمو) و(صايع بحر) وغيرها. فكلها أسماء فقدت احترامها، ونحن محتاجون إلى إعادة نظر ولكن ليس من الرقابة، وإنما في النوعية والحوار القائم على الإقناع وحينما اعترضت عائلة شلتوت مثلا فهي كانت اعتراضات شكلية مع تقديري البالغ للشيخ شلتوت العالم الجليل ولكن لو ظهر مثلا أحد اللصوص ويحمل الاسم نفسه فهل سيغيرون اسمه! إن الأسماء ليست خاصة بشخص معين فماذا لو وجدنا أسماء قادة وزعماء كبار في تاريخنا ويحملها أشخاص خارجون عن القانون».
ويقول الناقد طارق الشناوي: «أرى أن رفض تلك الأفلام والمطالبة بتغيير أسمائها يدلان على عدم سعة الأفق والصدر فالسينما المصرية والعالمية تنتقد أميركا ولم يحدث أن اعترضت السفارة مثلا على حرق العمل في أكثر من فيلم فالاعتراض من وجهة نظري يتوقف على مدى اقتناع الطرف الآخر بالحرية وأرى أنه ليس هناك أسماء قد سببتها بخلاف الأسماء الآلهية؛ لأن الاسم ليس مقصورا على شخص بذاته، ومن الممكن أن يكون هناك شخص صالح ويحمل اسما معينا وشخص آخر مجرم يحمل الاسم نفسه فمثلا عائلات شلتوت منتشرة من الدلتا حتى الصعيد، وكذلك بالنسبة إلى اسم عندليب فهو صفة وليس اسما وستشاهد إذا كان يسيء إلى حليم أو لا ووقتها تنقده».
حق الاعتراض
وعلى الجانب الآخر، تعترض الناقدة حسن شاه وتقول: «من حق المجتمع كله الاعتراض على التفاهة والسطحية والإفلاس الفكري فأنا عندما أكتب مقالا صحافيا أظل ساعة أو ساعتين، لاختيار العنوان المناسب فكيف يكون عنوان الفيلم بهذا الإسفاف والتهريج الرخيص ويعتقدون أنهم يجذبون الجمهور على رغم أنهم يعلّمون الشباب الاستهانة بالكلمة التي تعبر عن الموقف نفسه، فمن كلمة واحدة تستطيع أن تعرف الإنسان الذي يقف أمامك وهل هو بلطجي أم إنسان مثقف؟ فهؤلاء ليس لديهم شيء يقولونه للناس فما هو معنى فيلم مثل (صايع بحر)، و(فول الصين العظيم)، و(أشتاتا شلتوت) مثلا؟ إني أرفض هذا الكلام لأن تلك السيناريوهات جعلت رأسنا في الأرض ولا يوجد فيلم مصري فاز بجائزة أخيرا إلا عن طريق المجاملة لبطل الفيلم ليس إلا».
ويشاركها الرأي الناقد أحمد صالح ويقول: «عندما تكون هناك سخرية واضحة من شعب من الشعوب فمن حق السفارة أن تعترض حماية لتراثها وثقافتها، فطالما أن هناك سفارة معينة وجدت أن عرض الفيلم يسيء إلى شعبها فمن واجبها التدخل ومسألة تغير الاسم ليس مسألة صعبة كما أنها مراعاة لمشاعر الآخرين».
وتؤكد الناقدة إيريس نظمي رفضها وتقول: «أرفض تماما أسماء الأفلام التي من هذه النوعية وعندما أرى عنوانا بهذا الشكل أتوقع أن الفيلم رخيص ولكن هذه النوعية لها جمهورها فهي خاصة بفئة معينة من الناس كلهم شباب صغار السن، وليسوا على درجة كبيرة من الثقافة. هم يريدون أن يضحكوا والسلام فهل تعتقد أن يكون هناك أفلام بهذه الأسماء ولها قيمة معينة؟ إن بعض هذه الأفلام هي سبب انهيار السينما، وأعتقد أنها موجة وبدأت تنحصر كما أنه لا داعٍ لاستخدام أسماء الرموز أو ألقابهم في السخرية والإضحاك على حساب الآخرين، بالإضافة إلى أن العنوان التافه يفقد الفيلم 50 في المئة من قيمته».
ويؤكد رفيق الصبان أن هذه العناوين تستخدم وسيلة تجارية فيقول: «التاجر كي يأتي بزبائنه يجب أن يجلبهم بطريقة جذابة ولكني أرى أن السينما ليست تجارة، فهي نوع من أنواع الأدب المصور، فهل تتخيل مثلا أن إحسان عبدالقدوس أو نجيب محفوظ بإمكانهما أن يعطيا مثل هذه العناوين، بالإضافة إلى أن عنوان الفيلم يدل على مستواه، وأنا كثيرا ما أحكم على الأفلام من عناوينها فمعظم الأفلام التي تختار عناوينَ تافهة فهي مبتذلة وللتجارة فقط، ولابد أن يكون المخرج هو أول من يرفض هذه العناوين».
القانون هو الحل
فيما يرى رئيس الرقابة على المصنفات الفنية مدكور ثابت أن لكل حالة ملابساتها الخاصة و «نحن لا نتخذ موقفا من اسم فيلم معين إلا بعد أن يكون مرجعنا دائما القانون، فمثلا تكون هناك حالة تتعلق بحقوق الملكية مثلما حدث من قبل في فيلم (أسرار البنات)، فبعد أن وافقت الرقابة على الفيلم وتم عرضه فوجئنا بورثة عدلي المولد يتقدمون فيه أن هناك فيلما مصريا آخر يحمل اسم (أسرار البنات)، وطبعا هذا حقهم لو أنهم تقدموا بذلك أثناء الإعلان عن الفيلم قبل أن يتم عرضه ولكنهم تقدموا بتلك الشكوى بعد عرض الفيلم بفترة طويلة، ولو أن أحدا من المسئولين بالرقابة كان قد تذكر وجود فيلم في الماضي يحمل الاسم نفسه لتم الاعتراض عليه، وقد حدث ذلك مع يوسف شاهين عندما عرض علينا فيلم اسمه (الغضب) وصرحنا له بالسيناريو وقتها ولكن كتبنا ملحوظة أن هناك فيلما مصريا اسمه (الغضب) وفعلا غيّر يوسف شاهين اسم الفيلم إلى (إسكندرية نيويورك)»·
وتابع «هناك أفلام لا تحتاج إلى أن ينبه أحد الرقباء إليها مثلما حدث من قبل مع فيلم (الناظر) للراحل علاء ولي الدين فقد كان اسمه (الناظر صلاح الدين) واشترطنا تغيير الاسم حتى لا يتشابه مع اسم (الناصر صلاح الدين) وفعلا اكتفوا باسم (الناظر) فطالما هناك شيء يسيء تعترض عليه من دون أن ينبهنا أحد وكما قلت مرجعنا دائما يكون القانون».
العدد 1784 - الأربعاء 25 يوليو 2007م الموافق 10 رجب 1428هـ