الخطاب السياسي الصادر عن «وعد»، في الكثير من المحطات، كثيرا ما تجده متسما بدرجة كبيرة من النضج. ربما ترجعه أحيانا إلى الخبرة السياسية المتراكمة، فـ «وعد» وريثة حركة وطنية معارضة ذات تاريخ قديم؛ وقد ترجعه أحيانا لاعتماد لغة الأرقام والمعلومات، ولتوافر كوادر مؤهلة أكاديميا تبوأت مناصب حكومية وتعاملت مع الواقع بلغته المعرفية، في حين لم تُتح هذه الفرصة للمعارضة الإسلامية التي نالت نصيبها الأوفى في السجون. لذلك كثيرا ما تخرج «وعد» ببرامج أو مشروعات أو مقترحات أو حتى «نقودات» متقدمة على بقية الفصائل والجمعيات، بما فيها الجمعيات الإسلامية التي وصلت البرلمان.
على رغم كل ذلك، أحيانا تعود «وعد» إلى داء «المعارضة» القديم، فيؤثر على اتزان خطابها وعقلانيته، وآخر هذه المحطات البيان الذي أصدرته دفاعا عن الشيخ أحمد المحمود.
بداية لا نختلف على مبدأ حرية الرأي، واحترام كرامة المواطن، وأن لا يجرجر ابن البحرين إلى النيابة بتهمة التحريض على كراهية نظام الحكم، لمجرد أنه عبّر عن رأيه أو انتقد سياسات تؤثر على حياته وحياة أبنائه وأحفاده، ومستقبل بلاده.
ولا نختلف على أن التحقيق في قضايا الرأي يسيء إلى صورة البلاد في مجال حماية الحقوق والحريات التي تضرّرت كثيرا بحسب المؤشرات العالمية الأخيرة، وباعتباره نوعا من التخويف والترهيب وإسكات أصوات النقد والنصح المشروع للحكم. ولا نختلف على ان هذا الإجراء يتناقض مع ما يدعو إليه ديننا الحنيف من توجيه النصيحة والنقد فيما يخدم مصلحة المجتمع وتصحيح الأخطاء ومحاسبة الفاسدين، كما جاء في البيان، إلاّ اننا نتحفّظ على القول بأن «ضمان الحياة الكريمة للمواطنين والعدالة في توزيع الثروة يعزّزان الولاء للوطن»، على إطلاقه، لما يتضمنه من تمرير مقولات غير سليمة، حوّلت وتحوّل الوطن إلى سلعة قابلة للتداول في بورصة المقايضات السياسية، كما يجرى حاليا من بعض الأطراف التي تستنفع من تسويق بضاعة «الولاء».
إن خطاب الشيخ المحمود، أطلق عددا من المقولات الخاطئة كمسلمات كانت جديرة بالتمحيص والنقد، ولم يكن متوقعا من «وعد» أن تقدّم تغطية وطنية لخطاب خاطئ وملتبس عن مفهوم الولاء الوطني، يعرف الجميع انه كان أحد الأسباب الرئيسية لتوتير الأجواء السياسية وإثارة النعرات المناطقية، واستمرار التجاذبات بما لا يخدم السلم الوطني على المدى البعيد، وبما يكرّس حال الشكوك المتبادلة بين فئات المجتمع، تغليبا للحسابات والمصالح الفئوية البعيدة عن حسابات الوطن.
لم يكن متوقعا من «وعد» أن تغطّي خطابا متلبّسا بالتهم المبطّنة في الولاء، فتذهب إلى «المطالبة بمنح المواطنين المزيد من الحقوق وتلبية حاجاتهم المعيشية حتى يتعزّز ولاؤهم وطنيا»، كما جاء في البيان، فمسألة «الولاء» يجب أن تحسم نهائيا، تماما كما هي قضية الاستقلال، وألاّ تقبل باستغلال هذا القميص المشبوه للتجاذبات بين الأطراف المتنافسة في الساحة. فليس مقبولا اتهام المواطنين تلميحا أو تصريحا في ولائهم لوطنهم، ومن يتهم الآخرين عليه أن يثبت أولا ولاءه وحبه لهذا الوطن وليس العكس.
كان الأجمل بـ «وعد» التريث قبل أن تقع في هذا الفخ، فمطالبة القوى الوطنية والإسلامية الدؤوبة بدولة القانون والمؤسسات، تصطدم بـ «معزوفة الولاء»، التي دأب على استغلالها بعض الأطراف المتمصلحة على حساب الوطن ونسيجه الاجتماعي. وشتّان بين فكرة «كسب الولاء برفع الرواتب» التي طرحها المحمود، وبين فكرة «المواطنة الكريمة» والعدالة في توزيع الثروة والوطن الذي «لا يرجف فيه الأمل».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1783 - الثلثاء 24 يوليو 2007م الموافق 09 رجب 1428هـ