بعد أقل من شهر على احتفال العالم باليوم العالمي لضحايا التعذيب، تشرفت البحرين باستضافة مسئول المخابرات السابق أيان هندرسون معززا مكرما، محفوفا بصفوف من قوات الأمن التي رابطت على جوانب طريق المطار لأكثر من ساعتين، عندما شاع نبأ وصول هذا الرجل صاحب اليد السوداء في رسم الحزن، والوجع، والألم، على شفاه الوطن!
لم يكن المشهد الذي شاهدته وشاهده آخرون عيانا مساء الأحد الماضي عاديا أبدا، حتى وإن وصفته وزارة الداخلية في بيانها بـ «العادي» فقد كان أمام كل مدخل للمطار أكثر من سيارة أمن! وعلى حافة كل رصيف عدد من القوات المدججين بالسلاح، وأيضا لم يخل المشهد من مدرعة كانت على جانب أحد الطرق المؤدية إلى المطار، وكان المشهد سيبدو جميلا ورائعا وورديا أيضا لو أنه كان بسبب استجلاب أحد المسئولين عن ضحايا التعذيب، لإيقافه وزجه في قفص الاتهام، حتى يقول القضاء كلمته فيه، إلا أن المشهد لم يكن كذلك أبدا، بل إن القادم ليس مستجلبا بل زائرا! وهو وأمثاله يدخلون البحرين متى وكيف يشاءون بسلام آمنين، بل تفرش لهم الأرض سجادا أحمر، وتحرسهم على الطرقات حتى المدرعات!
إذا، لماذا تم إلغاء قانون أمن الدولة؟ ولماذا كانت خطوة إلغائه من قبل جلالة الملك خطوة على طريق الإصلاح السياسي في البحرين؟ هل لأنه كان جميلا أم قبيحا؟ ولو كان جميلا لكان خطأ فادحا إلغاؤه؟ ولكنه بالتأكيد كان على درجة عالية من القبح، وكان سيئ الصيت، والسمعة، والتاريخ، وكان جائرا بأكثر ما تحمل هذه الكلمة من معنى! فماذا يمكن أن يكون القائمون عليه إذا؟ أعمدة شرف؟ أوتاد نزاهة؟ أم خيمة عدل وإنصاف؟ إن مجرد دخول هذا «الجلاد» غير المرغوب فيه، لا ينم عن جدية في تحقيق العدالة الانتقالية التي هي أهم خطوة على طريق الإصلاح السياسي، إذ لاتزال كل الأبواب موصدة في وجوه المتضررين من حقبة أمن الدولة، من شهداء زهقت أرواحهم تحت ضرب السياط، أو ضحايا قضوا أحلى أيام شبابهم في جحيم التعذيب، وفي الوقت الذي تغلق كل الأبواب في وجوه أولئك الضحايا، بينما يفتح باب البحرين على مصراعيه لواحد من أكبر المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، وكأنه حمامة سلام حلت على أحد أغصان هذا البلد الذي شرب شرفاؤه السم الزعاف من أمثال هؤلاء الذين لم يدخلوا البلاد، إلا لأنهم بارعون ومبدعون في إذاقة أهله ألوان العذاب!.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1783 - الثلثاء 24 يوليو 2007م الموافق 09 رجب 1428هـ