ورد في الأثر أن من سعادة المرء ثلاث: الدار الوسيعة والمرأة المطيعة والدابة السريعة. الخطأ الذي ارتكبته الحكومة طيلة عقود من مصادرة حق الشعب في المشاركة في القرار جعلت الظروف المادية بعد هذه المدة تتردى، والحال المعيشية تزداد ضنكا وشدّة، وقد ارتفعت نسبة من يدخلون تحت خط الفقر وتضاءلت الطبقة الوسطى، فحالت بين أكثرية الشعب وبين الدابة السريعة (السيارة) التي كانت تباع قبل عشرين عاما بأقل من ثلاثة آلاف دينار فأصبحت حاليا تكلف ما يقارب 8 آلاف دينار، حتى صارت أكثر سيارات الناس متعبة وقديمة.
أما الدار الوسيعة فحلم أدخّره أكثر الناس للجنة، واكتفوا بدار وكفى، وتشبثوا بوعود رسمية أكدت بناء عدد من المدن، منها المدينة الشمالية التي طال انتظارها، إلا أن النائب جواد فيروز في تصريح له لصحيفة محلية بتاريخ 21 يوليو/ تموز 2007 دفع الناس لحافة اليأس حين قال إن حل مشكلة الإسكان يكمن في التمدد العمودي وأرجع ذلك لقلة الأراضي، أي أن البناية الواحدة تتكون من عدة أدوار تتقاسمها عدد من العوائل، تسكن فيها بصفتها سكنا دائما لها.
نعم لو طرحت فكرة التمدد العمودي كحل لمشكلة المواطنين من أهل العاصمة (وليس ضواحيها) لتفهمنا ذلك حيث أن الكل يدرك مدى الازدحام السكاني في وسط العاصمة، وبالتالي فإن إقامة بنايات شاهقة الإرتفاع تتناسب مع طبيعة العاصمة وتلبي طموح أهلها في البقاء فيها. أما وإنه أطلق حكما عاما لحل مشكلة الإسكان في البحرين، فهنا يلزمه أن يقدّم أدلته على ذلك، حتى لا يتسبب مثل هذا التصريح من غير قصد في إضفاء الشرعية على تهرّب الحكومة من مسئولياتها الدستورية في توفير السكن للمواطنين.
إن مساحة البحرين أكثر من 707 كم مربع، ولكن مجرد توفير 35 كم مربع (بعد حذف مساحة الخدمات كالشوارع) يحل مشكلة 70 ألف عائلة، بحيث يكون نصيب كل عائلة أرضا بمساحة 5382 قدما مربعا، وليست الأراضي التي توزعها وزارة الإسكان حاليا والتي يصل بعضها لأقل من 3400 قدم مربع كما في مشروع إسكان الشاخورة، مع أن مثل هذا المشروع ليس مجانيا، بل يدفع المواطن ما يقارب 3.5 دنانير عن القدم المربع، وعليه أن يتم أقساطها حتى يصبح مستحقا لقرض بناء لا يزيد بأي حال عن عشرين ألف دينار فقط لبناء الأرض، فأي شعور بالغبن يعيشه المواطن في بلد مردود النفط فيه يشكل 77 في المئة من موازنة الدولة العامة ثم يُطلب منه السكن في شقق تمليك في مناطق أكثرها قروية؟
لقد بلغت الطلبات الإسكانية في العام الماضي 43 ألف طلب، ويرى أمين عام جمعية «وعد» إبراهيم شريف أن 20 كم مربعا فقط تحل مشكلة هؤلاء تماما كما جاء في ندوته في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في خيمة المرشح سامي سيادي ونقلت ذلك عنه إحدى الصحف المحلية بتاريخ 17 نوفمبر 2006.
طريقة التمدد العمودي التي لم تكن الحكومة جادة في تسويقها قبل وجود الحياة النيابية، أرجع النائب المحترم دعمه لها لقلة الأراضي، والواقع الذي نشاهده بالعيان لدرجة الزعم بكل ثقة بأن أكثر من 70 في المئة من مساحات بعض القرى والتي تعود لمتنفذين وشخصيات كبيرة مساحات خالية، فهل يصح قبول التمدد العمودي وتشويه القرية عن طريق البنايات العالية وتكدس عدد من العوائل في البناية الواحدة انسجاما مع هذا الطرح؟
وإذا كان ما تملكه الدولة من أراض 9 في المئة فقط من مجموع أراضي البلاد، فهذا يعود للتوزيع غير السليم وتملك الأراضي بطرق غير شرعية.
في حديث لي مع أحد النواب، فهمت أنهم اطلعوا على تجربة سنغافورة في هذا المجال، ووجدوها ناجحة. وبغض النظر عن كل شيء، فسنغافورة التي تقترب مساحتها من البحرين (مساحتها 697.1 كم مربع)، يسكنها ما يقارب من 5 ملايين نسمة وليس أقل من مليون كما هو حال البحرين التي يبلغ عدد المواطنين فيها أقل من نصف مليون نسمة. وحتى لو كانت معظم المساحات مسكونة لدينا (وهي ليست كذلك) فبإمكان الدولة دفان البحر وزيادة رقعة اليابسة كما فعلت سابقا ودفنت ما يقارب الـ 60 كم مربع، وهذه المساحة وحدها تكفي أكثر من 100 ألف عائلة إذا ما قيست بتصريح إبراهيم شريف الأنف ذكره. إن الترويج لفكرة التمدد العمودي تفتح الباب للحكومة للتهرب من مسئولية تصرفها السابق في أراضي الملك العام والتي تم توزيعها بلا وجه حق أو تملكها بوضع اليد، والناس حين شاركت في الانتخابات وضعت في الاعتبار خلاف هذه الفكرة، لهذا على النواب الضغط على الدولة لاسترجاع هذه الأراضي وإعادة توزيعها على المواطنين، بدلا من شرعنة سوق مواطني بلد خليجي نفطي للعيش في شقق تمليك...
وأين؟ ليس في العاصمة وإنما في مناطقهم الريفية!
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1783 - الثلثاء 24 يوليو 2007م الموافق 09 رجب 1428هـ