الحديث عن حرية الصحافة هو حديث عن حرية الصحافيين إذ لا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك.
وهذا النوع من الحديث ليس حكرا على بلادنا العربية فالأميركان والأوروبيون بدأوا يتحدثون عن هذا النوع من الحريات خصوصا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.
ولا يخفى على المتابع كيف أن الأميركان استهدفوا الصحافيين قتلا وأسرا أثناء غزوهم لأفغانستان والعراق بهدف منعهم من نشر الحقائق التي يرونها أثناء المعارك أو بعدها...
ومن هنا يتضح أن «العرب» و»العجم» يقفون على قدم المساواة في محاولة كتم أفواه الصحافيين لتبقى الحقائق غائبة عن أعين الناس، وليتمكن البعض من فعل ما يحلو له من دون قيد أو شرط...
بطبيعة الحال في كل بلد عربي قانون للصحافة، وكل يتغنى بأنه حاضن لحريات الصحافيين، ولكن الأقوال شيء والأفعال شيء آخر...
يتحدث الصحافيون في البحرين عن قانونهم الجديد الذي يلغي عقوبة السجن التي كانت مقررة في القانون القديم رقم 74 للعام 2002 والتي ينص فيها هذا القانون على جواز سجن الصحافي لمدة قد تصل إلى خمس سنوات وكذلك تغريمه بعض المال...
صحيح أن وزير الإعلام البحريني محمد عبدالغفار ذكر لصحيفة «الشرق الأوسط» أن هذه العقوبة لم تطبق مطلقا وأن حكومة البحرين لا تؤيد حبس الصحافيين وأن حرية الصحافي تجعل مسألة تطبيقها في أي وقت أمرا ممكنا وبالتالي تجعل الصحافي يتوقع وقوعه تحت طائلتها في أي وقت...
المطالبة بحرية الصحافة جزء من المطالبة بكل أنواع الحريات العامة التي تحقق القدرة الحقيقية للتجمعات ولكن أي نوع من الحرية يجب أن يناله الصحافيون؟ ثم أليس لكل حرية ضوابطها كما يردد الجميع؟
أعود إلى تصريح وزير الإعلام البحريني لصحيفة «الشرق الأوسط « يوم 3 يونيو/ حزيران 2007 الذي أكد فيه أن قانون الصحافة - قبل تعديله - لا يتضمن حبس الصحافيين إلا في حدود ضيقة جدا منها التعرض للذات الإلهية أو التعرض للذات الملكية...
لكن دولا آخرى توسع هذه الدائرة فتجعل كل من يسيئ للأديان والأشخاص متعرضا لعقوبة السجن أو الغرامة...
بل أن دولا أوروبية سجنت وهددت بالسجن كل من يسيئ إلى السامية أو ينكر المحرقة النازية، مع أنهم يعرفون أن معظم اليهود لا ينتسبون - تاريخيا - إلى السامية ويعرفون كذلك أن «حرقتهم» ضخمت كثيرا بالموازين التاريخية ومع هذا فالدول الأوروبية «المتحضرة» والتي تحمل لواء «الحريات» تسجن من يخالف ما يريده الساسة حتى وإن كان أعوج من ذنب الضب!.
الذي أعتقده أن الصحافيين وكتاب الأعمدة الصحافية - وأنا أحدهم - يجب أن يكونوا واقعيين في مطالبهم حتى يتحقق لهم كل ما يريدونه، أو معظمه على أقل تقدير...
وأنا هنا أتحدث عن الصحافيين المسلمين في الدول العربية والإسلامية فهؤلاء يجب أن تكون لهم ضوابط دينية تحدد ما يجب أن يبتعدوا عنه بحكم هذه الضوابط، وأنا أعتقد أن الضوابط الدينية لا تعارض مطلقا الضوابط العقلية والقانونية السلمية...
أن يسجن الصحافي أو لايسجن هذه قضية يجب أن يحددها القضاء الشرعي في كل بلد مسلم، وعندما أحدد القضاء الشرعي فلأني أعرف أن هذا القضاء إن كان نزيها فإنه يعلم أن الإسلام أعطى أتباعه حرية نادرة المثال في التاريخ.
الفرد المسلم - مهما كانت مكانته الاجتماعية - وسواء أكان رجلا أم امرأة كان يقف أمام الناس ويعترض على الحاكم ويطالبه بتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع وإلا فإنه يعتبر من وجهة ذلك الفرد لا يستحق الطاعة...
الحاكم المسلم كان يتقبل النقد وأمام الناس وكان يشجع هؤلاء المتنفذين ولم نسمع أن أحدا في عصر الخلفاء الأربعة أحيل إلى السجن لأنه عبر عن رأيه مهما كان مخالفا لرأي السلطة الحاكمة...
لكن الناحية الآخرى في هذه الحرية أن أي نقد أو حتى حديث عن أشخاص أو مؤسسات يجب أن يكون صادقا وإلا استحق قائله العقاب الذي يحدده القانون الشرعي...
من حق كل صحافي أو كاتب أن يبحث عن الحقيقة وأن يبرزها، ومن حقه أن يفضح كل الممارسات السيئة التي يقوم بها أي شخص مهما كان منصبه - هكذا أعتقد - ولكن - مرة أخرى - يجب أن يكون كل ما يقال صحيحا، وهنا فليس من حق أي نظام أن يعاقب على قول الحقيقة، بل من واجب كل الأنظمة أن تستفيد من قول الحقيقة لتصلح ما فسد من أوضاعها...
ليس من حق الصحافي أن يقول ما يشاء - وأن كان غير صحيح - ثم يطلب من الآخرين أن يصمتوا على هذا القول لأنه صحافي وكأن من حق الصحافي أن يقول شيئا غير صحيح عن الآخرين...
حرية الصحافة مطلب في غاية الأهمية يجب أن يسعى إليه كل العقلاء لأن هذه الحرية هي أول طريق الإصلاح الحقيقي في أي مكان في هذا العالم.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1782 - الإثنين 23 يوليو 2007م الموافق 08 رجب 1428هـ