طال الغياب يا عبدالرحمن وطالت بنا اللجة، وتقطعت بنا السبل وظللنا الطريق من بعدك، وتقاذفتنا الظنون مبشرة مرة ومنذرة مرات عدة... أكتب ودفقات الدمع تنحدر من مقلتي كشلال غير منقطع كما هو فيض عطائك لهذا الوطن. أكتب مُلملما جروح الوطن، وانبعاثات الألم ما برحت تعاقب بكعبها على أضلعي، أكتب وعيني تفيض حسرة ودما نازفا مراق على وجنتي.
يقال: إن الدمع شفاء، وأنا كلما جف دمع عاجله دمع، وكلما دقت أناملي عازفة لحن طيفك ونضالك وتضحياتك تدفقت حرارة الشوق تهفو إلى لقياك... وزاد الألم وانهمرت الدموع.
يا أعز الرجال، وأغلى من وطء الثرى في أمسِ ويومي وغدِ. أناديك بوخالد... لا مجيب!؟
في مكتبه الخاص... كنت ألتقيه، وكنت كما يريدني عبدالرحمن في كثير من المواقع والمواقف، إلا موقعا واحدا خالفته فيه، وقبل مخالفتي على مضض. قال لي: ذاك رأيك -يا أخي- وقناعاتك. كانت آخر زيارة لي لمجلس عبدالرحمن النعيمي في قرية قلالي. تلك القرية التي ملأها «النعيمي» ضجيجا إبان الانتخابات. لقد أرعب المفسدين والمتواطئين معهم، في كل شبر من أرض الوطن. لذا، تقاطرت عليه الجموع من كل حدََب وصوب.
أهداني عبدالرحمن كتبا، ضمنها مجلد سميك أسمه مجلة ه مارس، وهو مجموع أعداد المجلة التي كانت تصدرها الجبهة الشعبية في الخارج. هضمته واستقر في أمعاء فكري... وقلت في نفسي: كم هو عزيز عليه هذا المجلد، أنه تاريخهم، تاريخ من ضحوا من أجلنا طيلة سنين، تاريخ من طالبوا بوطن لا يرجف فيه الأمل. وكنت آمل أن أعيده إليه بعد قراءته؛ إلا أنه نهرني وقال: هو لك يا صاح.
مرة أخرى، أهداني سبحة، ما كنت آخذها لولا كرم العرب، الذي هو عادة عبدالرحمن، ما كنت آخذها وأنا أعرف غلاتها لديه، فهي سبحة من عقيق اليمن... مازلت وفيا لها وله، وهي معلقة في «لكزس الغرام» كما يحلو للأخ الشيخ سلمان بن صقر آل خليفة تسميتها. أهل اليمن لهم مكانة عند عبدالرحمن، إنهم من آواه شابا، ومنحه الجنسية في وقت عز فيه الصاحب... هذا ما قاله عبدالرحمن حينما كنت معه والأخ عبدالله مطيويع في زيارة إلى الشيخ عادل المعاودة، كان الشيخ عائدا من رحلة علاج بالخارج أثر وعكة صحية ألمت به.
في افتتاح المقر الانتخابي الخاص بي، في الانتخابات التي تدخلت فيها السلطة بشكل فج، في هذا المقر والذي اخترت مكانه وأشخاصه بدقة وعناية فائقتين، كان ضيف الشرف، وصاحب الحديث الذي لا يكل الجمهور تصفيقا له، هو حديث صاحب القامة الرفيعة والقول الفصل، حديث عبدالرحمن النعيمي... وإذ حديثه، هو حديث القلب؛ فأنه يخرج من القلب فيخرق جدار القلب ألما وحسرة، وثورة.
توجهت مع عبدالرحمن إلى باحة فندق «الدبلومات» للجلوس مع المفكر عبدالله النفيسي، وكان النفيسي قد ألح عليّ اصطحاب عبدالرحمن. دار حديث الاثنان عن الروح القومية والشئون الوطنية، والتلاقي الفكري الذي يجمعهما هو عدائهما للكيان الصهيوني، ورفضهم لإقامة أية علاقات معه. هكذا قرابة الساعتين من الحوار كان محور الحديث فيهما التطبيع والخيارات الإستراتيجية للأمة. كانا يشددان على ضرورة إحياء روح المقاطعة لدى شعوب الخليج العربي للكيان الصهيوني، وقد تحدث «النفيسي» من خلال الهاتف إلى الأخ «السيد علي كمال الدين» حول هذا الهدف.
قال لي «عبدالرحمن» ذات مرة مشيرا إلى البحرين: والله البلد صغيرة، ولا تحتاج إلى كل هذا العناء من قبل السلطة، فقليلا من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة سينهي مشكلات الناس. عبدالرحمن النعيمي ذاكرة وطن وحب مواطنين... اللهم شافه وعافه وأعده إلينا سالما معافى... اللهم شافه أنت المشافي، اللهم شافه شفاء لا يغادر سقما... اللهم آمين.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ