العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ

تمّوزيات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مثل هذا اليوم من العام 2002، تحرّكت القافلة من ريف دمشق غربا باتجاه الحدود اللبنانية، ومنها إلى بعلبك نزولا مرة أخرى إلى بيروت ليستقروا في أحد فنادق الخمس نجوم. كانت القافلة تضم عوائل خليجية من البحرين والكويت والسعودية، في رحلات تنظمها شركات النقل والسياحة، تأخذك ثلاثة أيام إلى ربوع لبنان وأهم معالمها السياحية، من صخرة الروشة حيث ينتحر عشاق بيروت المحبطون، وقلعة موسى العاشق الذي بنى متحفه تخليدا لذكرى حبّه المجهض... إلى خليج جونية و«التلفريك» الذي يصعد بك عاليا إلى «سيدة النجاة».

جولاتٌ أخرى تنتظرك في متحف الشمع، حيث تلتقي بمشاهير لبنان، من كميل شمعون والجميّل والهراوي وكمال جنبلاط والبطرك صفير وخليل حاوي وبهيج تقي الدين وجورج نعمة و... انتهاء بالفنانة ماجدة الرومي!

في صبيحة اليوم الأخير تتجه القافلة إلى الجنوب المحرّر حديثا. تسير القافلة وفوق رؤوسها تحلّق أخيلة النصر الذي ما يزال صداه يتردّد في الصدور. الإسرائيليون خرجوا فقط من هذه الأرض العربية من دون أن يوقّعوا اتفاقا على ترتيبات أمنية تضمن لهم حدودا آمنة. ومازال العالم يتذكّر كيف سحب باراك (رئيس وزراء «إسرائيل» آنذاك) جيشه قبل أيام من الموعد الذي أعلنه من قبل.

وتتطلع من النافذة فترى شوارع صور وصيدا، وتلوح من بعيد قلعة الشقيف جالسة متبخترة فوق الجبل. ترى كم من الدماء سالت لكي لا تسقط هذه القلعة في أيدي الغزاة؟

وأخيرا تجد نفسك في نهاية الجنوب المحاذي لفلسطين، عرين المقاومة الذي تغزّل فيه نزار وأطال التغزل:

يا شجرَ الوردِ الذي يحترف الفداء

يا ثورةَ الأرضِ التقت بثورةِ السماء

يا جسدا يطلع من ترابه قمحٌ وأنبياء

اسمح لنا... بأن نبوسَ السيفَ في يديك

اسمح لنا أن نعبد اللهَ الذي يطل من عينيك

وأمام بوابة فاطمة، توقفت القافلة، فهذه أقرب نقطةٍ وصلها الخليجيون، حيث يفصلهم سورٌ شائكٌ ببضعة أمتار عن فلسطين، ومن ورائه مبنى صغير مغطى بالأشجار يحتمي فيه بعض الجنود الصهاينة. وهناك كاميرا معلّقة على السور، ولافتة كبيرة تحمل عنوان «عملية الوحدة الإسلامية»، التي نفذها الشهيد عبدالله عطوي، الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين، مع تعليق يقول « الاحتلال دفع ثمنا غاليا»، إلى جانب تعليقات صهيونية على العملية.

وأخيرا... اتجهت القافلة إلى «الخِيَام»، عبر شوارع ترابية ضيقة، بالكاد تمرق منها السيارة، حتى اضطر السائق في أحد المنعطفات إلى تحويل المرآة الجانبية لئلا تصطدم بالجدار. وأخيرا عبرت الحافلة من بوابةٍٍ يرفرف فوقها العلم اللبناني والعلم الأصفر، وحطّت رحالها في باحة «معتقل الخيام».

كان المعتقل الشهير مزدحما بالسياح، خليجيين وعربا وأجانب. حافلاتٌ كثيرةٌ بعضها وصل توا وبعضها يهم بالمغادرة. يمكنك أن تتجوّل بنفسك لترى أقبية التعذيب والزنازين الضيقة والقبور التي أطبقت سنوات على خيرة المجاهدين والمقاومين.

ويأخذك المرشد السياحي في جولةٍ في أرجاء المعتقل. الباحة واسعة، في أحد أطرافها تشاهد حاملة جنود إسرائيلية مدمرة، وعليها يرفرف علم حزب الله، وعلى الجدار كتبت عبارة: «بدماء الشهداء تحرّر الأسرى وانتصر لبنان». متحفٌ على الطبيعة يختزل تاريخ الصهاينة الأسود في لبنان، أصبح كعبة للصحافة والإعلام والسواح من جميع بقاع العالم.

بينما كان الجميع يهم بركوب الحافلات للمغادرة، لم يدر بخَلَد أيٍّ منهم أنه بعد أربعة أعوام، وفي مثل هذه الأيام، ستعود الطائرات الإسرائيلية في عزّ حرب تموز، لتمحو وصمة عارها القديم وتسوّي المتحف بالتراب!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً