يخطئ من يعتقد أن جميع الانقلابات والحركات ضد الحكم هي بمثابة ثورة، والعرب وحدهم هم المعنيون أكثر من غيرهم بهذا الأمر، فالخطأ في التقدير هو بداية السير نحو الهاوية، فليس للعاطفة هناك من مكان، وليس بالشعارات وحدها تحيى الأمم، هناك حيث يصطف المصفقون وهم لا يدرون لم يصفقون، ألسجلات التاريخ التي لم يقرؤوها بعيونهم؟ أم لأمنيات أرادوا قهرا أن يسبغوها على واقع لم يخلق بعد؟.
تعتبر حركة 23 يوليو/ تموز من أكثر الحركات جدلا لدى العرب في القرن العشرين، قامت هذه الحركة تحديدا في العام 1952م في القطر المصري بقيادة مجموعة من الضباط، وأطلق عليها مجازا «ثورة الضباط الأحرار» أو «ثورة 23 يوليو»، وقد قامت نتيجة لأزمات اقتصادية وهزات اجتماعية وسوء أوضاع الحكم وفساده من جانب، ومن جانب آخر تأثر المصريين من دون غيرهم بهزيمة العرب في حرب فلسطين بسبب تورط الملك في الأسلحة الفاسدة التي زودّ بها الجيش المصري المشارك في الحرب. هذا الانقلاب قام به تسعون ضابطا غالبيتهم من الرتب الصغيرة. يحسب لهذه الحركة الكثير من الإنجازات أبرزها التعجيل بالرحيل البريطاني عن الأراضي المصرية، وتأميم قناة السويس، وإلغاء الألقاب، وتطهير الإدارة الحكومية. وإصدارها قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد الملكية الزراعية للفرد.
ما يؤخذ على هذه الحركة أنها المسئولة عن تدهور الاقتصاد المصري بسبب نظام التأميم الذي اتبعته، كما أنها قامت بحل الأحزاب المصرية،حتى أنه لما تقدم بقية الضباط المنتمون لتنظيم الضباط الأحرار الذين لم يسع لهم الاشتراك في مجلس القيادة بمقترح تنظيم الحكم عن طريق انتخابات جديدة، رُفض طلبهم بل انتهى الأمر باعتقالهم، وحل تنظيم الضباط الأحرار، كما أوجدت هذه القيادة فجوة عميقة بينها وبين الإخوان المسلمين، وزاد الأمر حدته بإلغائها للدستور وتعطيل الديمقراطية في مصر إذ جعلت الحكم للمؤسسة العسكرية وأصبح الأمر مناط بالزعيم فأصبح هو الدولة وهو الرئيس. يعزى لجمال عبد الناصر أنه من حرك رحى التغيير في مصر والوطن العربي، وألهبت خطبه الحماسية الشعور القومي العربي خصوصا حين طرح شعاره «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، والذي خلق صدى عميقا إبان الصراع العربي - الإسرائيلي، لذلك أصبح عبدالناصر بطلا قوميا على رغم أنه لم يحقق انتصارا فعليا سياسيا على «إسرائيل».
الثورة هي التي تحركها الجماهير الواسعة التي تستهدف التغيير الشامل على أساس نظرية محكمة ثوابتها الجمع بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وهذا ما لم يتحقق في حركة 23 يوليو المصرية، فهي حركة غابت عنها الثورة الجماهيرية والنظرية الثورية، فالثورة كما يصورها المفكر شاتوبريان على «أنها انقطاع في التاريخ، خط يشطر الزمان نصفين ومعه الأفكار، الأخلاق القوانين اللغة نفسها، نصف ما بعد ونصف ما قبل، متضادان لا يمكن التوفيق بينهما»، وهذا ما نراه جليا في الثورة الفرنسية.
ومع هذا يبقى السؤال الملح: لِمَ حوّلنا حركاتنا إلى ثورات، ولِمَ اختلطت علينا الأمور؟ لكن ذلك ليس منا، فخيبة الأمل تدعونا إلى أحلام المساء أملا في عودة فجر إصلاحي... جديد فهل من بزوغ؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ