تخاض الحروب دائما على جبهتين: فهي تُشّن على ساحات المعركة التقليدية، التي يواجه فيها الجنود بعضهم بعضا في القتال، وفي ساحة افتراضيّة من الأعمال العدائية تنطوي على العلاقات العامة.
المساحة الثانية عادة بعيدة كل البعد عن الخطوط الأمامية للعمليات العسكرية، ولكن قد تكون لها الأهمية نفسها في النجاح العام لجهود الحرب. إنها الساحة التي تجري فيها المعركة للحصول على قلوب الناس وعقولهم. وما هي أهمية ذلك؟ لماذا يعتبر إقناع الجمهور بأن هذه الحكومة تحارب «على الجانب الصحيح» أمرا حيويا؟
قد يتعرض الذين لم يتعرفوا بعد على أساليب الحرب لإغواءات طرح السؤال: لماذا يتوجب على الأطراف في نزاع شامل أن يكرسوا الموارد والأفراد للترويج لصورتهم وسمعتهم بينما تتعرض جميع الأمور الأخرى للخطر؟ الإجابة في الواقع سهلة. يمكن لنجاح طرف في مسرح العلاقات العامة للنزاع أن يؤثر في نهاية المطاف على أداء ذلك الطرف في ساحة المعركة نفسها.
اسمحوا لي أن أشرح ذلك عن طريق تقديم مثال بارز: النزاع العربي الإسرائيلي. هذا موضوع له قدرة إثارة العواطف العميقة بين أناس هم أبعد ما يمكن عن ساحة المعركة.
برزت أخيرا إشاعات مفادها أن «إسرائيل» تعد لهجمة على المواقع السورية في الجولان. هكذا يقول السوريون. أو، بحسب الجهة التي تختار أن تصدقها، هناك إشاعات مماثلة تشير إلى أن السوريين يخططون لإطلاق هجمات على أسلوب حرب العصابات ضد المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، كما نُقِل عن «نيويورك صن».
يقول المسئولون الإسرائيليون إنهم «قلقون» من دوامة من الإعداد «الدفاعي» للقوات السورية في الجولان، قد تؤدي إلى إجراءات مضادة يشعرون أنهم مضطرون إلى تنفيذها كتكتيكات احترازية.
قرع طبول الحرب على الخطوط الأمامية في الجولان، التي بقيت هادئة منذ الهدنة التي تم التفاوض عليها من قبل وزير الخارجية الأميركي يومها هنري كيسنجر في نهاية حرب أكتوبر/ تشرين الأول العام 1973، يتزامن مع أجراس الخطر التي تقرعها بعض المصادر المطلعة في واشنطن عن مخاطر حرب شاملة بين سورية و»إسرائيل» تشتعل يوما ما هذا الصيف.
كما ازدادت حدة الإشاعات عن حرب في الشرق الأوسط نتيجة لعدد من التصريحات والتقارير التي صدرت أخيرا. فقد صرح كبير مفاوضي السلام الأميركي السابق لشبكة الأخبار الإسرائيلية على الإنترنت «YnetNews» دنيس روس، أنه يعتقد أن «هناك خطرا باشتعال حرب» بين سورية و»إسرائيل» هذا الصيف.
وأضاف روس أن «أحدا لم يتخذ قرارا بعد، ولكن السوريين يعدون أنفسهم للحرب».
وهنا يكمن جزء من المشكلة: حقيقة أن «أحدا لم يتخذ قرارا بعد». وهذا يعني أن النزاع بدأ يأخذ حياة خاصة به، يغذيه الهيجان الناتج عن تطور الحوادث.
ما يحدث حاليا في الجولان هو سباق تسلح محدود، يمكن له أن يخرج بسهولة عن السيطرة في أية لحظة، فيبتلع المنطقة في دوامة مفرغة خطرة من العنف. في هذه اللحظة لم يعد من الأهمية من الذي بدأ بالتسلح أولا، أو من الذي قرر أنه من الضروري تحصين خندق، ما دفع الطرف الآخر للقيام بعمل مماثل. يمكن للأمر أن يتسارع من هذه النقطة إلى أن يتم استدعاء التعزيزات، وبعدها ليست هناك حاجة إلا إلى شرارة صغيرة لإشعال نيران حريق هائل.
وبينما يعد الجيش لسيناريو الحالة الأسوأ، تتسارع حرب العلاقات العامة، ويسعى كل طرف إلى الدعم العالمي لقضيته، وهو دعم قد تثبت أهميته الحاسمة إذا وعندما يتحول نزاع العلاقات العامة إلى حرب مفتوحة. وقت استباق تدهور هذا التوتر إلى حرب مدمرة هو الآن، قبل أن تتسارع العلاقات العامة وتقود الأطراف المتنازعة إلى نقطة اللا عودة.
* محرر «الميدل ايست تايمز»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ