العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ

العرب وحرب تموز!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أغرب ما حصل للعرب وهم يدخلون عصر جاهليتهم الأخير، متلبسين بطاعون الطائفية هذه المرة، أنهم لم يصدّقوا أن ما حدث في لبنان يمكن أن يحدث! فهم اعتادوا أن تُلحِق «إسرائيل» هزيمة جماعية بهم في خمسة أيام، تنتهي باحتلال سيناء المصرية، والجولان السورية، وانتزاع الضفة الغربية من يد الأردن، وانتزاع قطاع غزة من يد مصر، وإرسال ما تبقى من الفلسطينيين إلى المنافي الجديدة... ثم من بعد ذلك يسمون ما حصل مجرد «نكبة»!

قبل عام، كان لبنان يتعرض للقصف على مدار الساعة، وبدل إعلان التعاطف مع الضحية «العربية» كما كان يحدث سابقا، لم يتمكنوا حتى من إخفاء ابتهاجهم بالعدوان، بل اتصل أحد «الزعماء» بأولمرت مُطَمئِنا: «نحن معكم حتى تقضوا على هؤلاء»!

على المستوى الشعبي، كان البث مختلفا تماما، فـ «الشعوب عند بعضها»، فبمقدار ما يُمعن الحكام العرب في طور إفلاسهم الأخير في اللعب بالورقة الطائفية القذرة، تهب نسمات الكرامة على ألسنة البسطاء، ممن لم تلوثهم الطائفية بأنجاسها، ولم تُلبسهم من مدلهمات ثيابها.

في ريبورتاجٍ لقناة «المنار»، شاهد الجمهور لقطات من الشارع العربي، واستمع للأحاديث العفوية التي تنطلق من قلوب عامرة بالمقاومة والكرامة في زمنٍ عزّ فيه الرجال.

الفنانة السورية رغدة كشفت عن أنها أرادت السفر إلى لبنان لتشهد الحرب «من جُوّه»، ولما سألتها المذيعة: وماذا ستفعلين؟ أجابت: «كنت أريد أن أعيش مع الناس في المستشفيات أو المدارس. كنت أريد أن أقول للرجال أصحاب الشوارب: الرجولة لا تقاس بالشنبات»! وهي عبارةٌ ذكّرتني بكلمةٍ للشيخ محمد الغزالي (ره) الذي كان يتحدّث عن أنديرا غاندي، المرأة التي هزمت الجنرال الباكستاني أيوب خان صاحب الشوارب!

أما الفنّانة اللبنانية جوليا بطرس فقد اختارت في الذكرى الأولى للحرب، أن تزور أرض المقاومة والفداء لتقديم التهاني بالنصر، وهناك في بنت جبيل، وقف لاستقبالها الأهالي لأكثر من ساعتين، فيما استقبلها عوائل الشهداء وأطفالهم بالورود والقبلات، وقدّمت إليها زوجة أحد الشهداء بندقية زوجها التي غنمها من الغزاة.

جوليا التي تعتز بالتزامها خطها «العروبي المقاوم» منذ 1975، تريد من صوتها اليوم «أن يكون جامعا للبنانيين من الشمال إلى الجنوب، لا كما يفعل بعض الساسة بخطاباتهم التي ترسخ التباعد والشرخ». وزارت الجنوب بعد العدوان مباشرة وصوّرت نشيد «أحبائي»، الذي استلهمته من رسالة السيدحسن نصرالله التي وجهها إلى أبطال المقاومة وقت اصطكاكهم وجها لوجه مع الجنود الصهاينة. وحصدت من هذا العمل الفني ثلاثة ملايين دولار خصّصتها لعوائل شهداء المقاومة والجيش، على حين أفتى المشايخ أصحاب الشوارب واللحى بتحريم التبرع للمقاومة!

جوليا التي تختزل في مشوارها سنوات من «المقاومة الفنية»، زارت أيضا مارون الراس، لتقدّم التهاني بالنصر «إلى كل مقاوم وأم وأخت وزوجة شهيد»، ورأت أن «المقاومة اتخذت أشكالا متعددة عبر الكتاب والشعر واللحن والدعاء والصلاة إلى جانب المقاوم، فاستجاب الله وكان النصر الإلهي».

ربما يسوق الله كلمات الحق والحكمة على ألسنة البسطاء الذين اختاروا ركوب قطار الكرامة والحرية، على حين اختار الزعماء والعلماء والفلاسفة و«كتّاب البطاطا» العرب التفلسف والفذلكات. أمةٌ ضائعةٌ، ومقاومةٌ أبدع في وصفها نزار قباني:

قد دافعت بصدرها عن شرف الأرض وعن كرامة العروبة

وحولها قبائلُ جبانةٌ وأمةٌ مفككة!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً