يمكن القول أن ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) باتت من الحقائق المسلمة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وتؤكد آخر التقارير بأن مشكلة التضخم ستستمر في المستقبل المنظور لعدة أسباب جوهرية منها الحاجة إلى توظيف الفوائض النفطية فضلا عن ارتباط العملات (باستثناء الكويت) بالدولار الأميركي.
وتوقع تقرير حديث صادر من بنك (مورغان ستانلي) الاستثماري أن تزداد وتيرة التضخم في دول المنطقة وذلك على خلفية تنفيذ المزيد من المشروعات الاستثمارية في الدول الست فضلا عن استمرار تراجع قيمة الدولار الأميركي.
الفوائض النفطية، فقد تعززت إيرادات دول المجلس من النفط والغاز بشكل ملموس على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. حسب عدد خاص لدورية (ماكيزني كوارترلي) لشهر يناير/كانون الثاني 2007 فقد زاد دخل دول المجلس بشكل جذري في السنوات القليلة الماضية. حسب الدورية, فقد ارتفعت إيرادات المجلس مجتمعة من 100 مليار دولار في العام 2002 إلى 325 مليار دولار في نهاية العام 2006.
تراجع الدولار
أيضا هناك مسألة تراجع قيمة الدولار والتي بدورها تعتبر حجر الزاوية في المعاملات التجارية لدول المنطقة. وكانت السلطات الأميركية قد عمدت في السنوات القليلة الماضية إلى الدفع باتجاه خفض قيمة الدولار مقابل بعض العملات الصعبة الأخرى مثل اليورو وذلك في إطار جهودها للقضاء أو بالأحرى تقليص العجز التجاري. على سبيل المثال, بلغ حجم العجز في الميزان التجاري الأميركي 818 مليار دولار في العام 2006 بسبب قوة الواردات. تحتل أميركا المرتبة الأولى في العالم فيما يخص الواردات تماما كما تتعر ألمانيا المرتبة الأولى للتصدير. بلغت قيمة الواردات الأميركية من السلع في العام الماضي نحو عند 1855 مليار دولار.
المعروف بأن الولايات المتحدة تستخدم قيمة العملة كجزء لايتجزأ من سياستها التجارية الدولية. بمقدور أقل من 80 سنتا من اليورو في الوقت الحاضر شراء دولارا أميركيا واحدا. بمعنى آخر, فإن اليورو يساور دولارا واحدا و 25 سنتا مايعني تسجيل زيادة في القيمة تفوق عن 30 في المئة مقارنة عند طرح العملة الأوربية في 2002. يخدم تدني سعر الدولار (أو ارتفاع قيمة اليورو) الاقتصاد الأميركي عن طريق جعل الصادرات الأميركية أقل كلفة. وفي المحصلة يستفيد الاقتصاد الأميركي عن طريق تنشيط الدورة الاقتصادية وإيجاد وظائف جديدة فضلا عن المحافظة على وظائف أخرى.
تجربة بالكويت
ونبه تقرير (مورغان ستانلي) إلى احتمال حذو كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر حذو الكويت في رفع قيمة عملتها الوطنية مقابل الدولار. وذكر التقرير بأن نسبة التضخم تبلغ 13.5 في الإمارات فضلا عن 15 في المئة في قطر. وكانت الكويت قد عمدت إلى فك الدينار بالدولار في شهر مايو/أيار الماضي في محاولة للحد من ظاهرة استيراد التضخم بسبب ارتفاع فاتورة الواردات من السلع غير المسعرة بالدولار. في المقابل قررت ربط عملتها بسلة من العملات الدولية بما فيها الدولار واليورو. وفي وقت سابق, عززت الحكومة الكويتية من محاولتها كبح جماح التضخم بواسطة رفع قيمة الدينار مرة أخرى.
يبقى أن الأيام كفيلة بكشف الطريقة التي ستتعامل بها كل دولة عضو في منظومة مجلس التعاون مع آفة التضخم (عدو الجميع).
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ