احتفلت جمعية «وعد» مؤخرا بذكرى أربعينية المهندس هشام الشهابي، في حفلٍ ضم لفيفا من القوى السياسية والاجتماعية المختلفة.
بدأ الحفل بكلمةٍ لعائلة الفقيد رحمه الله، ثم تلتها كلمةٌ للجمعيات السياسية، وكلمة أخرى للاتحاد العمالي، ثم جاءت كلمات الأصدقاء مبللة بالعواطف والدموع.
كثيرٌ من الناس - وكاتب السطور منهم- لا يعرفون هشاما، ولم يعرفوا تاريخه النضالي، وكثيرون لم يعرفوا بوجوده إلاّ بعد سماع خبر رحيله أو نشر صور تشييع جنازته في بعض الصحف. ولعل السبب كونه من النوع الذي لا يظهر على الشاشة، رغم ما لعبه من دور في الساحة الوطنية والنقابية منذ عدة عقود. ومن تحدّثوا عنه أكّدوا على جانب مهم في حياته، وهو التزامه بالثوابت والمبادئ، وأن بوصلته لم تتغير مع تبدّل الفصول. وقال أحد المتحدثين إنه لم يقبل بسياسة الهبات والمكرمات، وحين لاحت له بوادر الثراء قال للقريبين منه: «أنا ثريٌ بكم، وغنيٌ عنهم».
ثلاثةٌ من المتحدّثين، وليس ذلك صدفة فيما أظن، جاءوا على ذكر موقفه من التسجيل تحت قانون الجمعيات، والتهديد بحلّها عند الرفض، فوقف في القاعة نفسها التي أقيم فيها حفل التأبين وقال: «إن شعب البحرين وقضيته الوطنية أغلى من هذا الطابوق والأسمنت».
أحد زملاء دربه، علي ربيعة، تحدّث عن تاريخه بنبرةٍ عاليةٍ من الحزن، واستشهد بكلمةٍ لأحد المفكّرين كان يسأل الحرية: «أين أبناؤك»؟ فقال: «واحدٌ مات مصلوبا، وواحدٌ مات مجنونا، وواحدٌ لم يُولد بعد». ولو أراد أن يسهب لقال أن من أبنائها من سُجن وعُذّب، ومنهم من نُفي وأقصي، ومنهم من اعتزل العالم. ومن وحي اللحظة وما كان يجري في المحرق قبل أسبوعين، دعا إلى توقيع «وثيقة ضد الطائفية»، منتقدا الجمعيات السياسية التي تتفرّج وهي ترى بوادر الصراع المذهبي، الذي يمكن أن ينفجر في أية لحظة ويؤدي إلى تفتيت المجتمع. وختم بقوله: «أين أبناؤك يا هشام»؟
صديقه الآخر سعيد العسبول، بدأ كلمته المؤثرة بشعرٍ معرّي النكهة:
الموت نقالٌ على أكفّه ... جواهر يختار منها الجياد
ومنه أخذ يصف الأيام الأخيرة في علاقته الطويلة بالراحل، وانتهى بوصف لحظات الوداع الأخيرة وهو ممدّدٌ على سرير المستشفى، بينما تتعثر كلماته من بين حشرجات الحزن.
إبراهيم شريف، ألقى كلمة أدبية جميلة في رثاء الفقيد، ومما قال: «إن هشام كان يردّد دائما إن شعب البحرين يستحق حقوقا وواقعا أفضل، فقد كانت الأهداف التي عمل لتحقيقها العدالة والحرية والديمقراطية الحقيقية».
الكلمة الأخيرة كانت للفنان عبدالله يوسف، الذي تحدّث عن «زنزانة الكنارة» بسجن القلعة، صيف 73، حيث قضى معه فترة، وكان هشام يطلب منه أن يسمعه قصيدة تقول:
أحار كل لحظةٍ أراكِ يا بلادي
في صورةٍ أحملك الآن على جبيني
بين دمي وموتي... أأنتِ مقبرةٌ أم وردةٌ؟
قتلتِني... قتلتِ أغنياتي... أأنتِ مجزرة؟
ويقول يوسف: «الآن عرفت لماذا كان يطلب سماعها»!
حفل تأبين اختلطت فيه الكثير من العواطف والمشاعر والدموع، وحضره جمعٌ كبيرٌ من الجمهور، من مختلف المناطق والتوجهات والجمعيات السياسية، فمن يعمل من أجل الوطن وأهله، سيذكره الجميع بكل خير وعرفان. رحمك الله يا هشام
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2264 - الأحد 16 نوفمبر 2008م الموافق 17 ذي القعدة 1429هـ