العدد 2264 - الأحد 16 نوفمبر 2008م الموافق 17 ذي القعدة 1429هـ

ليس دفاعا عن الوزراء

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين فينة وأخرى تجتاح البحرين موجة تكهنات باحتمال توزير شخص ما أو إقصاء آخر، ويسارع المجتهدون في إطلاق فتاواهم، مستعينين بما يتوهمون أنه يستند إلى أقوى الحجج وأبلغ الدلائل. ولا يعنينا هنا صحة تلك التوقعات أو خطأها بقدر ما تؤرقنا تلك الحالة «المرضية» التي تولدها الفترة التي تروج فيها مثل تلك التكهنات. فمجيء وزير وذهاب آخر ليس مسألة ذات بال في الكثير من دول العالم، ولكنها ليست كذلك في البحرين، إذ تكتسب أهمية خاصة نظرا إلى طبيعة التوزير، وآلية الإعفاء.

لعل ذلك يثير تساؤلا مهما: فقبل الحديث عن التوزير والإعفاء، من حق المواطن أن يتساءل: ما هي معايير تعيين وزير أو بالأحرى ما هي معايير تشكيل وزارة؟

في البلدان المتحضرة تحدد المرحلة التي تمر بها البلاد معايير التشكيلات الوزارية، فإذا كان البلد في حالة حرب، تسود المقاييس العسكرية على الطاقم الوزاري، الأمر يختلف عندما تمر البلاد بمرحلة إصلاح سياسي، حينها تكون اولوية الاختيار في صفوف المفكرين السياسيين أو السياسيين المحترفين، والأمر ذاته ينطبق على الوزارة المشكلة في مراحل التنمية والبناء التي يفترض أن يكون بين صفوفها من هم على دراية بالاقتصاد والتنمية والحقول المرتبطة بها.

بعد التشكيل نأتي إلى مرحلة التقييم والمحاسبة، التي تتلاشى أمامها المقاييس الفردية وتحل مكانها المعايير الجماعية، إذ يجري تقييم أداء كل وزير على حدة، لكن في إطار تقييم كامل لما تضعه الوزارة المعنية من خطط وما تنفذه من برامج. هنا يصبح الإنجاز جماعيا، والفشل هو فشل للفريق الوزاري برمته، دون إغفال المسئولية الفردية للوزير المعني.

في البحرين، وقبل المشروع الإصلاحي، كانت الناس في راحة بال، فقد كان المرض أو الوفاة هما عاملي التغيير الوحيدين، أما اليوم فاختلف الأمر وبدأت عملية تغيير الوزراء، وليس الوزارة، ظاهرة تكررت أكثر من مرة على امتداد السنوات الثماني الماضية. وهي ظاهرة، لابد من التأكيد على كونها ظاهرة صحية مطلوبة نقلت البلاد من حالة البيات الوزاري الشتوي غير المبرر إلى التغيير الوزاري الدوري والديناميكي.

لكننا لابد أن نشير هنا إلى بعض السلبيات التي رافقتها والتي من أهمها: عشوائية التوزير، إذ شاهدنا، وفي أكثرمن مرة، أن الاختيارات لم تكن موفقة، وبدت وكأنها تراعي مقاييس لا تمت بصلة إلى المنصب نفسه بصلة. وفردية الإعفاء، ففي أكثر من مرة عرفت البحرين، تغييرات وزراية غير شاملة أعفي بموجبها بعض الوزراء من مناصبهم، من دون أن يكون هناك سبب مباشر يبرر ذلك التغيير بالمعيار المهني، وخاصة أن زملاءهم، ممن لا يبزونهم كفاءة ثبتوا في مواقعهم. وازداوجية المقاييس، إذ أصيب المواطن بالدهشة، حينما يرى وزراء أكفاء ناجحين في مهماتهم يقصون من مناصبهم، في حين يعاد تدوير آخرين بإسناد مناصب أخرى لهم تصل إلى المستوى الوزاري، دونما يكون هناك سبب منطقي واضح يبرر أيا من الإجراءين.

بقيت هناك مسألة في غاية الأهمية وهي العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والتي يشوبها اليوم، هي الأخرى، شيء من الخلل. فمن المسلم به أن من اهم مسئوليات السلطة التشريعية مراقبة أداء وسلوك السلطة التنفيذية كجسم واحد متكامل، واعضائها على نحو إفرادي. لكن هذا الحق والمسئولية في آن، لا ينبغي أن يساء استخدامهما كي يتحولا إلى سيف مسلط على رقاب الوزارة والوزراء، الأمر الذي يحول عناصر الرقابة الإيجابية من موقعها كصمامات أمان تضمن عدم خروج السلطة النتفيذية عن السياق الصحيح المحدد لها. وليس المقصود هنا تحجيم صلاحيات السلطة التشريعية أو تصغير مساحة الحقوق التي تتمتع بها أو الدور الذي ينبغي أن تضطلع به، بقدر ما هو وضع كل ذلك في إطاره التكاملي بين السلطتين التشريعية والتنفيذدية.

ولكي لا يساء ما نذهب إليه هنا ينبغي التأكيد أن الهدف من كل ذلك، ليس الدفاع عن هذا الوزير أو ذاك، بقدر ما هو الدعوة إلى وضع مقاييس علمية سليمة قابلة للتطوير تكون مهمتها وضع أسس مراسم التشكيلات الوزارية، بما ينعكس، وعلى نحو محدد، على اختيار أعضائها، ويضمن محاسبتهم أفرادا وكفريق متكامل، على أن يتم ذلك في إطار علاقات سليمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2264 - الأحد 16 نوفمبر 2008م الموافق 17 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً