العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ

امتحان للغرب في تركيا

أنور إبراهيم comments [at] alwasatnews.com

وُصفت الانتخابات التي ستجرى في تركيا خلال هذا الشهر بأنها معركة من أجل السيطرة على روح الأمة. ولكن بعيدا عن كونها معركة بين العلمانية والإسلام، كما يحلو للبعض أن يعتقد، فإن المعركة هي في الحقيقة صراع بين قوى الحرية والديمقراطية من جهة وبين السلطوية من الناحية الأخرى.

نتيجة الانتخابات ستقرر ما إذا كانت تركيا ستواصل طريق التحديث الذي اتبعته خلال السنوات الخمس الماضية تحت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، أو أن تعود بالخطى إلى الوراء إذ تصبح القوة موازية للحق، والقوة تتحقق من خلال فوهة البندقية. هل سيكون هناك قرار لتحقيق توافق جديد بين الدولة والمواطنين يكون مقبولا ومنسجما مع تراث تركيا الإسلامي وثقافتها العلمانية السياسية، أو هل ستتمكن القوة العسكرية من اغتصاب حق الشعب في اختيار حكومته والنيل من صلاحية الحكومة في خدمة الشعب؟

المظاهرات التي جرت في أنقرة في شهري نيسان وأيار أثارت شبح الإسلام الراديكالي كسبب للتحايل على العملية الديمقراطية. ولكن توصيف هذه الحكومة بعناصر الإسلام الراديكالي هو افتئات صارخ على الحقيقة. فهذه حكومة ملتزمة بشكل واضح بعملية المحافظة على الديمقراطية مهما كلف الأمر، في الوقت الذي تأخذ فيه خطوات ملموسة لإزالة ما يحيط بالأحزاب ذات الصلة الإسلامية من سوء فهم. ومع أن قواعد الدولة التركية العلمانية كانت ترتكز في الماضي على القوة العسكرية فإننا اليوم نرى أخيرا حكومة مدنية انتخبت انتخابا ديمقراطيا وليست في حاجة إلى وصف الدين بالشيطان. إن خطوات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الشجاعة في توجهه لعضوية الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في حقل الإصلاح القانوني، يجب أن يزيل أيضا أية شكوك بشأن إيمان تركيا بالديمقراطية.

منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت السياسة التركية تتسم بوجود دولة قوية ومجتمع مدني ضعيف، كانت فيه الحقوق الفردية مقبولة فقط في حال انسجامها مع التصور الوسطي. كانت تهيمن على الانتخابات في تلك الحقبة الإجراءات الكاسحة لخنق والنيل من المجموعات المعارضة على امتداد الساحة السياسية. بيد أن تلك الإجراءات المناهضة للديمقراطية قد بدت، حتى وقعت التطورات الأخيرة، وكأنها أصبحت في سلة التاريخ، نتيجة للانتخابات البرلمانية التاريخية التي جرت في العام 2002.

إن الالتزام بالعملية الديمقراطية يُمثل تحولا مفصليا في السياسات التركية والذي من خلاله تم ترجمة إرادة الشعب على سياسات اقتصادية حكيمة، وإلى تعظيم الرفاه الاجتماعي وإلى دفع عملية الاندماج بشكل أكبر مع أوروبا. وعلى نقيض واضح من تهديدات العسكريين بالتدخل، فقد أبدى قادة تركيا إرادة واضحة والتزاما بالمضي في عملية الإصلاح.

إن تداعيات تدخل عسكري ستكون بعيدة المدى وغاية في الخطورة. لا حاجة إلى إعادة بعث الذنوب التي ارتكبت في الجزائر. وبينما أن بنود الدستور في تركيا تحول دون إمكان خطف العملية الانتخابية، فإن من غير المحتمل أن يقبل الشعب التركي بمثل تلك الحركة بسهولة لو حدثت فعلا. عندها يمكننا أن نتوقع بأن المفاوضات مع المجموعة الأوروبية ستنحل فورا، الأمر الذي يرضي تلك الحكومات في أوروبا التي كانت منذ البداية عازمة على إقصاء تركيا. إن النمو غير المسبوق الذي حققه الاقتصاد التركي سيتباطأ من دون شك. وفي نهاية المطاف يمكن أن نشاهد انهيار الجسر الحضاري الذي تقوم اسطنبول ببنائه بين الشرق والغرب.

ومن الأمور التي تدعو إلى القلق أيضا هو أن مثل ذلك الحدث سيكون بمثابة خيانة لتطلعات المسلمين الديمقراطيين في تركيا وعلى امتداد العالم الإسلامي. ذلك أن تركيا، مثلها مثل إندونيسيا، تعتبر على نطاق واسع كحالة تجربة لإظهار التوافق بين السياسة الإسلامية والديمقراطية. إنها تعبير عن السلام والتطور الذي أثار اهتمام المسلمين وأوقد جذوة الفخر على المستوى الدولي. الراديكاليون بكل تأكيد سيستخدمون انقلابا يحدث كدليل على النفاق الغربي في الدعوة إلى الحرية والديمقراطية في العالم الإسلامي من جهة، في الوقت الذي يُدير فيه بصره عن الحكم السلطوي. وسيفقد المعتدلون الأرضية التي يقفون عليها في منطقة تعمها الراديكالية والتي تُأجج نيرانها الأوضاع المتردية في العراق والفشل في حل الصراع العربي - الإسرائيلي.

في الأيام المقبلة سيتم كشف النقاب عن الألوان الحقيقية لمن يملكون زمام الأمر في هذه المسرحية. وكواحدة من أوثق حلفائها فإن من حق تركيا أن تتوقع بأن الغرب لن يقدم أي دعمٍ علني أو غير علني إلى أية محاولة لإخراج الديمقراطية عن مسارها. إن الفشل في إظهار تأييدٍ تام للديمقراطية التركية من شأنه أن يشكل دعوة قوية نحو التطرف سواءٌ كان إسلاميا أو علمانيا وأن تُتيح له النمو بحرية. بكل تأكيد، فإن أولئك الذين يدعون بأنهم يمثلون تطلعات الدولة التركية الحديثة قد ينجحون في إسقاط الحكومة الحالية، وخصوصا عندما يكونون مستندين إلى القوة العسكرية المجردة. ولكن مثل ذلك سيكون نصرا مزيفا، لأن الثمن سيكون الحرية والديمقراطية نفسيهما.

إقرأ أيضا لـ "أنور إبراهيم"

العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً