عبدالرحمن بن محمد الشامسي النعيمي، هو بن قبيلة النعيم، كان والده يقوم بتمويل القبائل العربية للثورة على الاستعمار، من عربستان (الاحواز العربية جغرافيا وتاريخيا وسكانا) إلى العراق إلى الخليج العربي. أما والعرق دساس؛ فقد امتد النضال العربي ليرفد وريد «عبدالرحمن» بميراث الثورة العربية ضد الاستعمار... فكان أن ورث الثورة كابرا عن كابر.
ولد عبدالرحمن وفي فمه ملعقة علقمٍ مرّ، علقمٌ أسمه معاناة وطن تحت الاستعمار، معاناة مواطن مع وقف التنفيذ! هكذا كانت ولادته. وأي امرئٍ كانت ولادته بمثل تلك الظروف؛ فشبابه ورجولته وكهولته، بل ومماته لن تكون خلاف ذلك... فالمخرجات نتائج والمدخلات أسباب!
عاش عبدالرحمن النعيمي شطرا من شبابه منضويا تحت لواء عام اسمه النضال ضد الاستعمار في البحرين، وشطرا آخر من شبابه ورجولته في المنفى ملبيا نداء الواجب الثوري ضد الاستعمار، وخاض معارك النضال العربي، مرة في «ظفار» وأخرى في «عدن» وغيرها في «بيروت» وحط رحاله في «دمشق»... لست وحدي الذي افتقد عبدالرحمن، تلك المدن العربية تفتقد أثر كعبه النضالي العالي والإنساني الراقي.
رجلٌ في أمة، كان يحث الخطى غير عابئ بسنين الألم، غير خاضع لمخاضات الزمن المرّ، طالما تجرع المر، فماذا يخشى؟! صحته وعياله نذرهم للوطن... حتى رفيقة دربه «أم أمل» ذاقت مرارة الأحزان والمنافي، ولم تعبأ بمآلات الأمور. هي المثابرة طيلة الوقت،والفادية بالروح يوم جد الجد، هي السائرة بين الألغام. هنيئا للبحرينيين أسرة كأسرة عبدالرحمن تنتسب إليهم، وهنيئا لكل العرب أن ينتهي نسب عبدالرحمن إلى أعرق وأشرف قبائلها.
بعد عودته ظافرا شامخا كالطود العظيم إلى أرض الوطن، حاول لملمة رفاق النضال الوطني، ولم ييئس من ذلك. التقيته... ولا أذكر المرة الأولى التي التقيته فيها، إذ كلما التقيه أخرج من عنده وكأنها المرة الأولى التي ألتقيه فيها، فكل آخر لقاء أجد نفسي وكأنني لأول مرة ألتقيه، حتى أصبحت كل لقاءاتي معه أولى... كان كالموج الهادر يسرد حكايات وقصص النضال والتاريخ الوطني لأبناء هذا الوطن.
كنت تعرفت على آراء عبدالرحمن شخصيا مذ العام 1996، وهي معرفة حديثة بعدد السنين، ولكنها علاقة قديمة بين أرواحنا... تلك الأرواح التي ترنو إلى وطن تسوده العدالة الاجتماعية والوعي الوطني لا الطائفي... وهي علاقة عميقة؛ حتى أنني أزعم أن ما قاله عبدالرحمن لي لا يقوله إلى غيري! ومنه ما يُغضب كثيرين!
قلبي المكلوم، وريقي الناشف ووجهي الشاحب، ونفسي التي أتعبها طول الانتظار، كلها علامات فراق «بوخالد»، شافاه الله وأعاده سالما معافى لأرض الوطن... جزء من احتجابي عن الأصدقاء، والصد عن بعض رفاق عبدالرحمن هو مصابنا فيه... عزاؤنا أن ما جمعنا على حبه، لن يفرقنا وسنظل أوفياء بكل ما آمن به عبدالرحمن.
لا أمل في غير عبدالرحمن، ولا سلوى من بعد عبدالرحمن، ولا تاريخ خالد لهذا الوطن لا يدون فيه اسم عبدالرحمن النعيمي... فذاك رجل عجزن أن يلدن مثله! وإلا فأتوني بمثل أخلاقه؛ تواضعه، مروءته ونخوته، وتواصله مع الناس... نضاله وتضحياته للوطن، وعلمه ومعرفته؛ بالتاريخ، وفلسفته في الحياة بحلوها ومرها. إنه سيرة وطن بأسره. اللهم شافه وعافه وأعده إلينا سالما معافى... اللهم شافه أنت المشافي، اللهم شافه شفاء لا يغادر سقما... اللهم آمين.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ