العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ

استحقاقات دولية وقراءات مغامرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى دمشق بمناسبة بدء الولاية الثانية للرئيس السوري بشّار الأسد (7 سنوات) تعتبر مفصلية؛ لأنها جاءت بعد سنة من العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان وبعد أيام من دعوة الرئيس جورج بوش إلى عقد «مؤتمر دولي» للبحث في مشروع حل سلمي لقضية «الشرق الأوسط».

الزيارة إذا غير عادية في ظروفها وملابساتها وهي تعتبر إشارة سياسية ميدانية تربط مجموعة قضايا في سلسلة واحدة. فاللقاءات التي عقدها الرئيس الإيراني لم تقتصر على المسئولين السوريين وإنما شملت اتصالات واجتماعات ضمّت فصائل لبنانية وفلسطينية مقاومة. وهذا يعني أن التحالف السوري - الإيراني لا يقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية وتجديد الدعم للحكومة العراقية وإنما يشمل مجموعة نقاط ساخنة وخطوط تماس مع التحالف الأميركي - الإسرائيلي.

الإشارات السياسية الميدانية واضحة في رموزها. فهي تؤكّد من جهة على متانة التحالف السوري - الإيراني، وتؤكّد من جهة أخرى على اتساع الرقعة الجغرافية لهذه الثنائية. فالتحالف السياسي ليس ثنائيا وإنما أوسع من ذلك بكثير؛ لأنه يضم إلى العراق ساحات أخرى تمتد من غزة إلى لبنان. وبما أنّ هذه الرقعة الجغرافية التي تشمل إيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين وربما أبعد من ذلك، فعلى إدارة واشنطن أن تفكّر مليّا قبل اتخاذ خطوات سياسية أو عسكرية في المستقبل القريب أو البعيد.

هذه إشارة أولى. الإشارة الثانية تنصّ على الآتي: إذا أرادت واشنطن التفاوض فهذه هي الجهة الصالحة للتفاوض؛ لأنّ مأزق الولايات المتحدة يقع في هذه الدائرة الجغرافية؛ وإذا أرادت المواجهة فإنّ القوى المقاومة التي تتشكل منها الساحة تقع أيضا في هذه المساحة الجغرافية.

أمّا الإشارة الثالثة والأهم فهي تكمن في تلك الفضاءات السياسية التي تحيط بالتحالف الثنائي وامتداداته الجغرافية من طهران إلى غزة. فالتحالف أكّد على صحة استراتيجيته وتحليله للتطورات الدولية والإقليمية. فهو يرى أنّ الولايات المتحدة على قاب قوسين من إعلان الفشل وهي تقف على حد فاصل بين التفاوض مع القوى الميدانية الفاعلة على الأرض أو الانسحاب الجزئي ثم الشامل من العراق. وفي الحالين لابدّ أنْ تطلب الولايات المتحدة المساعدة من القوى المؤثرة ميدانيا للخروج المشرّف من بلاد الرافدين وربما المنطقة. وبما أنّ طهران ودمشق تملكان تلك القوة الميدانية وتتحكمان بالأوراق فعلى واشنطن أنْ تختار وتتحرّك بالاتجاه الصحيح.

الإشارة الثالثة مهمة جدا ؛لأنها تعكس في النهاية توجهات ذهنية تعكس قراءة سياسية للتوازنات الدولية والإقليمية ومواقع الأطراف ودورها في زعزعة الاستراتيجية الأميركية في «الشرق الأوسط» وتحطيمها أو على الأقل إحباط إمكانات نجاحها أو خروجها سالمة من المنطقة.

هذه القراءة السياسية لموازين القوى في الرقعة الجغرافية الممتدة من طهران إلى غزة يمكن تناولها من جانبين: الأوّل أنّها صحيحة نسبيا، والثاني أنّها خطيرة لكونها تتضمن بعض النواحي المغامرة ولا تخلو من الزهو والتفاخر.

الجانب الصحيح من القراءة يشير إلى وجود خلل في الاستراتيجية الأميركية على مستوى العلاقات الدولية (التوتر البارد مع روسيا الاتحادية) أو على مستوى ضعف الأداء العسكري في ساحة العراق وميدان أفغانستان. وهذا الضعف الميداني والدولي بدأ يترجم نفسه بنيويا على مختلف الأصعدة الأميركية الداخلية. فالإدارة تعاني من انقسام بين جناحي نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. والإدارة تعاني من حصار يقوده الحزب الديمقراطي في الشارع أو الكونغرس. والإدارة في سباق مع الوقت ولم يعد أمامها سوى أسابيع أو أشهر لتوضيح مواقفها وتحديد جدول أعمالها والمهلة الزمنية المطلوبة لتمديد أو سحب أو تجميع القوات المحتلة للعراق.

قراءة مغامرة

الجانب الخطير في القراءة يتضمن تلك النزعة المغامرة التي تركزعلى ناحية الفشل ولا ترى الآثار المدمرة التي تركها العدوان الأميركي على المنطقة ونجاحه في تحطيم الدول (العاثرة أو المستبدة) وتمزيقها إلى مناطق آهلة بالطوائف والمذاهب. فهذه التداعيات السلبية أسست فراغات أمنية وساعدت على نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان وتهدد دول الجوار بالخراب البنيوي والسكاني.

إلى ذلك، تستبعد القراءة السياسية الاحتمالات المضادة أو على الأقل أنّها تسقطها من الحسابات الاستراتيجية العامّة في معادلة الصراع الدولي وما تمثله منطقة «الشرق الأوسط الكبير أو الصغير» من أهمية جغرافية كبرى في تقرير الدورالأميركي في صوغ التوازنات الدولية. عدم أخذ هذه المسألة في الاعتبار أو إهمالها وأحيانا إسقاطها من توازن المعادلة الدولية يشجّع في بعض الحالات على الذهاب بعيدا في القراءات الخاطئة. فالتقليل من إمكانات العدو (الجبهة المضادة) وتضخيم القدرات الذاتية يرفع كثيرا من نزعة المغامرة وربما يدفع التعارضات إلى مستوى غير مدروس لموازين القوى. وهذا النوع من التحليل الجزئي للصورة العامّة يساهم عن قصد أو من دون قصد في انزلاق القوى إلى معارك ومواجهات وتصريحات غير محسوبة.

أميركا تعاني من مشكلات كثيرة. هذا صحيح. كذلك تعاني إدارة واشنطن من خلل يؤثر على قراراتها السياسية بسبب الضغوط الداخلية وانقسام الشارع وصعود نجم روسيا في الآفاق الدولية والأوروبية. كذلك وهذا الأهم تعاني الاستراتيجية الهجومية في دائرة «الشرق الأوسط» من سلسلة إحباطات عسكرية تعطل عليها إمكانات تعديل التوازن أو التفكير بتوسيع جبهة المواجهة. كلّ هذه القراءة صحيحة إذا أخذت من زوايا الفشل قياسا بتلك المراهنات والآمال التي أطلقها تيار «المحافظين الجدد» قبل ست سنوات من الآن.

إلا أنّ مجموع هذه الزوايا لا تشكّل في نهاية التحليل سوى جوانب سلبية من الصورة ولا ترى احتمالات أخرى تضغط على الإدارة الأميركية وتمنعها من اتخاذ خطوات دراماتيكية وحاسمة لسبب بسيط وهو أنّها ستشهد انهيارا شاملا للصورة كلها. وبين الاعتراف الأميركي بالضعف الجزئي وإعلان العجز الكلي هناك مسافة زمنية دقيقة وحساسة تحتاج إلى قراءة هادئة حتى لا تقع المنطقة في مطبات هوائية خطيرة تقوّض ما تبقى من مراكز قوى ومواقع ممانعة. وهذه القراءة الهادئة تفترض ضمنا التعامل بموضوعية مع موازين القوة وعدم إهمال القدرة الدولية التدخلية في كسر التوازنات الإقليمية وتعديلها.

المسألة فعلا خطيرة وحساسة وتتطلب دقة في القراءة وحكمة في إجراء الحسابات وتجريدها من العواطف التي تزيد من درجة التوتر وتعطل على العقل التفكير بموضوعية وتدفعه نحو قراءات خاطئة لتلك التوازنات السلبية التي استقرت عليها المنطقة بعد ست سنوات من التجاذبات والاستقطابات الدولية والإقليمية.

هناك الكثير من الاستحقاقات تنتظر العالم والمنطقة في الأشهر الثلاثة المقبلة. ولأنّ تلك الاستحقاقات ستكون حاسمة في رسم معالم «الشرق الأوسط» وصوره، فعلى القوى المعنية بها إعادة قراءة زواياها حتى لا تنزلق إلى نزعة المغامرة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً