كلما استحضرت في ذاكرتي حركة المعلمين في نيل حقوقهم تذكرت على الفور مشية السلحفاة العجوز النائمة التي تمشي على هون من أمرها، ولا يمكنها أن تسير بسرعة نظرا إلى عدة أسباب مجتمعة، لصغر أقدامها من جهة وثقل جسمها من جهة أخرى إلى جانب شيخوختها وقشرتها السميكة التي تحيط بجسمها ما يتعذر عليها أن تكون مشيتها مرنة، فقد تجمعت عليها الأسباب وجعلت من مشيتها أمرا يستحق السخرية منها، ولكن لا يعني هذا بأنه ما لم تكن كبيرة في السن فإنها تستطيع أن تسابق مشيتك أبدا فهناك أصلا بعض الأسباب الجوهرية الأولية التي لا يمكن انتفاءها، سبحان الله أصبحت السلحفاة أحد أبرز المخلوقات التي يضرب بها المثل في البطء وأصبح هناك قطاع بشري يعد أحد أضخم القطاعات الموجودة في القطاع العام وهم المعلمون وليسمحوا لي بأن أطلق هذا التشبيه عليهم ولم يكن الأمر محض صدفة أو جزافا.
ويمكنني أن أستند على الكثير من الحقائق أسردها فيما يلي ولكم أن تصححوا وجهة نظري إذا ما اختلفتم معي، أتوقع أن أكون موفقة إلى حد كبير في تشبيه حركة المعلمين بالسلحفاة العجوز، فحركتهم بالكاد أن يشعر المرء بها يا سبحان الله ، المعلمون عموما كأنما تم وضعهم في قالب واحد وعندما أتأمل بجد الموضوع محاولة تحليل أبعاده أشك أحيانا في كلية التربية التي خرجت لنا جيلا منسوخا مكررا ولكن أتراجع في تحليلي من جديد لكوني أرى أن هناك معلمون قد تخرجوا من كليات خارج البحرين، وبالتالي لا يمكن التسليم بتلك النظرية وأعود من جديد لأتوصل بأن العدوى قد انتقلت إليهم لكونهم ضعاف المناعة ونظرا إلى قلة أعداهم مقارنة بأعداد خريجي كلية التربية.
ما يجعلني أفكر في الموضوع ذاته وأُعطه أهمية، ما أشخصه على أرض الواقع وعلى رغم ما يعانيه المعلمون وعلى رغم أن قطاع المعلمين يعتبر من أحد أكبر القطاعات الحكومية على الإطلاق إذ يقدر عددهم بـ 12 ألف معلم ومعلمة، يعني حركة واحدة بسيطة تحدث ارتجاجا كبيرا على الساحة التربوية، فضلا عن الساحة المحلية بشكل عام ولكن للأسف الشديد لم يحدث على مر التاريخ أن توحد المعلمون على أية خطوة يخطونها، لا قبل تطبيق كادرهم والذي ظل لفترات طويلة معلق وحبيس الأدرج، ولا حتى بعد أن فرض عليهم وسجل عليه من سجل الكثير من الملاحظات الجوهرية.
ومن خلال معرفتي المعمقة بقطاع المعلمين أعلم جيدا بأن الكثير منهم شديدو التذمر والاستياء ولكن بين جدران الصفوف ولا يتجاوز ذلك جدران غرفهم الخاصة بهم فلا يمكن وصفهم بالجريئين، لكنهم يحاسبون الطلبة على الجرأة ويغرسون في نفوسهم الشجاعة.
من الملاحظ أنهم لايزالون إلى الآن يظنون أن المعلم الذي ربما يتكلم عن الحقوق ممكن أن تقتص منه أمن الدولة وأن نظام أمن الدولة لايزال قائما، وبالتالي عليه المزيد من اليأس والإحباط، وجلد الذات أفضل مليون مرة ومرة من أن ينبس بشفتيه، وأن أبواب السجون والمعتقالات لاتزال مفاتيحها لدى وزارة التربية والتعليم، فلا يشاركون في الاعتصامات التي تعد على شرف مطالبهم ولا يوقعون العرائض التي تصاغ بغرض الإفصاح عن ملاحظاتهم.
كما لايزال للأسف الشديد هناك من يحاول أن يبث أجواء الخوف والرعب في نفوس المعلمين والمعلمات، وأنهم وحدهم الذين يتكلمون بصراحة هم المنبوذون، وأن المجاملين هم فقط من يستحقون المكافآت والحوافز وعادة المقربون إلى أصحاب القرارات، كما أن هناك البعض يعتقد وللأسف الشديد بأن مجال عمله ملكه الخاص ويتعامل مع المعلمين على أنهم ضيوف لديه في بيته وبالتالي عليه أن يتصرف بذوق وإلا عليه الانصراف حالا.
النكتة أن العالم تغير ووزارة التربية أيضا تغيرت ولابد أن يفرض على المعلم نوع من التغيير والتطوير، وعليه أن يستفيد من المناخ الإصلاحي وأن يتحدث بمنطقية، وأظن بأن الأجواء العامة تستوعب إلى حد كبير هذا الحراك، كما لا يعد مقالي هذا نوعا من التحريض كما كان في السابق أن يفهم منه، هناك ثقافة جديدة يجب أن تغرس وأن تفهم وأن يتم الاستفادة منها، وأكدنا عليها سابقا ومازلنا نؤكد عليها بأن مادة الحقوق يجب أن تعطى لأبنائنا من المرحلة الابتدائية، وليس من اللائق أن نعلم أبناءنا الطلبة الحقوق والمطالبة بحقوقهم، لكن المشكلة أن المعلمين أنفسهم يجهلون تلك الثقافة، وصار ينطبق عليهم المثل القائل: «باب النجار مخلع».
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ