العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ

مسألة «حقوق الإنسان» والنزوع الاستشراقي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

روت لي إحدى الشخصيات المحترمة والمتميزة بنشاطها الملحوظ في مجال حقوق الإنسان في مجتمعنا البحريني قصتها مع أحد الممثلين لمنظمة غربية معنية بحقوق الإنسان، وهو ممن أدمن على التعاطي مع الشأن الحقوقي في الوطن العربي وبالأخص في البحرين من زاوية ومنظور تقسيمي تفتيتي ينطلق في تحليله من أسس وركائز ومفرزات الطائفة أو العرق ومن ثم الشعب والوطن، وكان قد وجه لهذه الشخصية البحرينية سؤالا مخاطبا إياها بصيغة الجمع عن السبب في عدم قبول «الشيعة»، فما كان من هذه الشخصية المعروف عنها نزاهتها ووطنيتها ودفاعها عن حقوق المستضعفين في البلد إلا أن استشاطت غضبا من هذا السؤال الاستفزازي والذي أدخلها وورطها أيضا في ذات بوتقة التمييز الطائفي، وذلك باعتبار هذا السؤال تدخلا استفزازيا غير مرغوب فيه بالشئون الداخلية البحرينية وأمرا منبوذا في مجال حقوق الإنسان بما يحويه من قيم ومبادئ ومثل تشريعية حقوقية عامة وجامعة، وبالتالي لا ينبغي أن توجد فيه أصلا رؤية تقسيمية للمجتمع والدولة كهذه الرؤية وأن تستخدم هذه اللغة التمييزية بين النشطاء والعاملين والمختصين في مجال حقوق الإنسان!

إلا أن هذا الناشط الحقوقي الغربي ما لبث وأن عاد إلى هذه الشخصية مجددا ليكرر لها سؤاله عن عدم القبول بالشيعة، فأجابته قائلة « من قال إننا لا نقبل بالشيعة في تجمعنا هذا فلدينا العديد من الأعضاء الشيعة»، فرد عليها «صحيح، كم عددهم بالضبط؟! وما هي نسبتهم؟!»، فأجابته بأنهم يشكلون نسبة كبيرة من أعضاء وناشطي هذا التجمع الحقوقي البارز، فأصر السائل مجددا على معرفة الرقم والنسبة فكرر سؤاله مرة أخرى على هذه الشخصية التي اضطرت مع هذا الإصرار المستفز للسائل بأن تضع ما لديها من أوراق وملفات مزدحمة في جانب معين، وقامت تعدد وتحدد بعدها الأعضاء الشيعة في التجمع الحقوقي وذلك بالاستعانة بالأصابع وما لديها من أدوات تصلح وتتوافق مع هذا الغرض الحصري والإحصائي، فتوصلت أمام السائل الأجنبي إلى نتيجة مذهلة وهي أنها وشخصية أخرى هما الوحيدتان المنتميتان إلى أهل السنة والجماعة في هذا التجمع الحقوقي فقط، وهنا سكت السائل واقتنع بالإجابة ومضى إلى طريقه، إلا أن هذه الشخصية الحقوقية علمت لاحقا وتفاجأت بأن السائل الأجنبي ذاته قد ارتد عكسيا لاحقا واستغرب بنوع من الاستنكار ما أسماه بـ «الهيمنة» و»الغلبة» الشيعية في هذا التجمع الحقوقي، فحارت هذه الشخصية مع من يمثله هذا الناشط الحقوقي الغربي من رؤية واسترابت من ما يبتغيه من مرام بأسئلته وتحركاته هذه!

وهذه الحادثة الطريفة يكفي بمجرد ذكرها أن تتلمس ملامح ما أحبذ تسميته بالنزوع أو النزعة الاستشراقية التي يعتمدها ويقع تحت تأثيرها إن لم يكن يجسدها الكثير من الناشطين الحقوقيين الغربيين في تعاملهم وتعاطيهم مع مسائل وقضايا المنطقة، وذلك بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والدينية وإن كان هؤلاء النشطاء من أصول شرقية، فيكونوا أشبه بالمستشرقين الشرقيين المتعاطين والمتجاوبين مع مسائل وقضايا الامتداد والمحيط الإقليمي المتحدرين منه أصلا برؤى ثقافية ومصلحية غربية بحتة قد لا يكيفها ويهذبها البعد الإنساني والطابع الحقوقي الجامع والعام!

هذا النزوع أو النزعة المزعجة والخطيرة في مجال حقوق الإنسان تتطابق مع اعتماد المستشرقين الغربيين الكلاسيكيين بشكل كبير على ما يطلق عليه بـ «النظرية الفسيفسائية»، والتي ينطلق من خلاله البحاثة الغربيون والمستشرقون في دراسة وفهم أوضاع المنطقة وقراءة وتأويل تاريخها ككل من منطلقات بحثية تجزيئية عرقية وطائفية ودينية، فعوامل التفتيت والتجزئة وأسس التقسيم والإفراز الديني والطائفي والإثني تظل حاضرة ومستقرة في لب النظرية كممكنات رئيسية لفهم المنطقة وقراءتها واستتباع الاستنتاجات ورسم التحليلات بشأن كل ما يتعلق بشئونها، فكيف وإن أصبح لمثل هذه النظرية المزعجة والبغيضة تطبيقات عملية وسلوكية في مجالات حقوق الإنسان؟!

وإن كنا لا نختلف على أن ما يمثله التمييز الطائفي والإثني دوليا وفي مجتمعنا خصوصا لأحد أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومهما ازدادت هذه الحالات كما وتعددت نوعا إلا أنها ينبغي أن لا تكون قاعدة لتأسيس وصوغ الرؤى النظرية المفاهيمية وتحديد مسار التحركات العملية الميدانية في مجال حقوق الإنسان عبر تغليب مكاييل البعد والنوعية والكمية المندرجة ضمن ملابسات الحادث على حساب المجال والحادث والهدف ذاته من التصدي لجرائم الانتهاك ذاتها، وبالتالي الخضوع والسبك وفقا لحبكتهم ومرئياتهم الواقعية، وهو ما يعني بعدها الخضوع لقوالب بعدية جاهزة تتخذ كمولدات ثابتة تغري بتخريج نماذج لصور وسيناريوهات مستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان، وفي تكريس صورة نمطية (Stereotype) متواصلة عن الهوية الخالدة والمؤطرة طائفيا أم إثنيا للضحية مقابل هوية الجاني والمتواطئون، وهو يخرج بالمجال الحقوقي عن إطاره البناء ورحابة أفقه الجامعة إنسانيا!

وقد نجد التطبيقات الأكثر عملية لتلك النظرية الاستشراقية الكلاسيكية لدى بعض مستحدثات معاهد ومراكز حقوق الإنسان التابعة بشكل تنظيمي ومباشر للمراكز والقوى الإمبريالية والتي تخدم أهدافها بشكل غير مباشر وتسهم في تطعيم خطابها الدعائي باكتشافاتها البحثية الماثلة أحيانا لقولبة والمحسنة بمؤثرات درامية تضفي جوانب المغالاة والألق العاطفي الانفعالي، وهو في حد ذاته قد يستخدم ويستغل بشكل سياسي متقن ومكثف لشرعنة مغامرة امبريالية مصلحية ترتكب فيها جرائم أكبر بحق الإنسان كما هو حاصل في العراق وأفغانستان!

ومن السهل على أصحاب تلك النزعة والنزوعات النزوية المهلكة والمكلفة جدا في مجال حقوق الإنسان أن يجدوا باختلاف نياتهم وتنوع مشاربهم في بعض المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان المصفوفين والمصنفين طائفيا والآتين من بلدانهم الأصلية في الشرق الأوسط للتبليغ عن انتهاكات وفضحها أو حتى لتصفية حسابات خاصة عبر الاستقواء بإمكانات الخارج وضغوطاتها، وذلك كخير سند وعامل مساعد على تعزيز وإثراء وتقوية ذاك النزوع الخطابي الاستشراقي في مجال حقوق الإنسان والمتعامل مع مجتمع ودولة ما كقطع وشظايا فسيفسائية يجرى تركيبها وترتيبها بحسب الغرض وما يقتضيه السيناريو أحيانا، وإن كنا لا ننكر في الوقت ذاته جهودا إيجابية أثمرت درءا وردعا وتجميدا لتلك الأعمال المعادية للإنسانية!

ومثل تلك النزعة الاستشراقية التدميرية الغربية المتدثرة بلباس حقوقي تبشيري مشرق مضافا إليها عوامل الحج السياسي ذات اللون والتصنيف الطائفي مهما تكن النية تجد حجتها وسندها وحافزها بلا شك في سلبية وانكفاء قطاع عريض من الشعب البحريني وجزءا لا يتجزأ من الوطن ألا وهم أهل السنة والجماعة المكبلين بإرجاء «شرعي» للتحرك والمصفدين بجبرية قدرية لا أول لها ولا آخر سوى صنائع فقهية متمصلحة تتحالف براغماتيا مع رموز السياسة وأفراد السلطة، فاستمرار تكتم ورهبة هذا القطاع الشعبي من المطالبة بحقوقه وتحسين أوضاعه المعيشية وإنصاف بعض أبنائه المتضررين أشد الضرر حقوقيا دونما حتى سياسيا عبر التعاون مع المنظمات الحقوقية الوطنية النزيهة في البلاد والتنسيق مع نشطاء حقوق الإنسان البارزين في المجتمع البحريني أو حتى التشجيع على التطوع في مزاولة وممارسة العمل النبيل في هذا المجال المعني بالدفاع عن حقوق جميع المواطنين والبشر بغض النظر عن اختلاف طوائفهم وإثنياتهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية، فمثل ذلك الغياب والتراجع السلبي المهلك لأهل السنة والجماعة من الساحة الحقوقية ومن صفوف الحراك المطلبي الوطني يساهم بلا شك في تحفيز النشطاء الغربيين ومراكزهم ومعاهدهم ومنظماتهم المصنفة دوليا على التمسك بتلك النزعة الاستشراقية البائتة في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في المنطقة وفي بلدنا تحديدا، وبالتالي تأبيد أطرها وسياقاتها الطائفية والإثنية بغض النظر عن مدى مخالفتها الحقيقية للواقع وما قد يلوثها من شوائب سياسية ومصلحية، فيقبعوا حينها تحت طائلة التجاهل والحرمان الدولي كما يقبع الوطن تحت سكاكين التشطير العمودي والطائفي المفتعل، إذ تستحيل أن تكتمل المعادلة الوطنية في الأزمات والمشكلات والانتهاكات قبل الحلول والمصالحات والترضيات!

بل هذا القطاع الشعبي المهمش لذاته قد رضى على نفسه ليظل أسيرا لتمثيل متجاوز مفبرك وبليد من قبل جمعيات ومنظمات «الغونغو» المطرودة في الخارج من قبل المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الغربية، أو تأدية التحية لتيار «الناشط السياسي» الذي لا يعرف كوعه من بوعه في مجال نشاطه الاصطناعي هذا، أو ربما الحبي وراء بعض النواب المتأسلمين من عبدة «النيغاتيف» ورهابنة «الفلاش»، مثلما رضي واضطر بعض نشطاء حقوق الإنسان لدينا للخضوع لجبرية وقدرية السيناريو المسرحي الطائفي في بلدنا وبالتالي التماشي مع مستشرقي حقوق الإنسان في الغرب عسى أن لا يبرروا بذلك أيُ من أشكال التعدي والانتهاك أيا كان قالبها المؤطر، وأينما أصبح سبيل استغلالها المسطر سياسيا وبراغماتيا!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً