في لقاء لي مع البروفيسور عبدالوهاب المسيري، الباحث الموسوعي الشهير، طرحت عليه سؤالا عن وجود تناقض بين الأنظمة السياسية القائمة كنظم وطنية تدعو للمواطنة، وبين الدين الإسلامي كدين أممي وبين المسلمين، إذ بحسب ما ترى بعض التيارات الإسلامية بأن الدولة العلمانية كافرة، وغالبية دول العالم الإسلامي، والوطن العربي منها، تعتبر، في عرف تلك التيارات، هي دساتير مصدرها دول الكفر! ولذلك فإن مشاركة بعض التيارات الإسلامية في تلك البرلمانات، في أخف الحالات ضررا بحسب وجهة نظرهم: هي مشاركة لدرء مفسدة كبرى بمفسدة صغرى.
في إجابته على هذا الطرح، يقول البروفيسور المسيري: مَنْ يقول بهذا الطرح هم فئة قلة جدا، «قلة وخلاص»، إنما مسألة الخلافة والإسلام الأممي لا؛ لأننا أدركنا أن العالم الإسلامي مقسم، إن الدولة القومية أصبحت واقعا نعيشه، وإن هذا التنوع أساسي لا يمكن إنكاره وعلينا أن نتعامل معه، وإن كان هناك هدف من الوحدة الإسلامية فهي وحدة في إطار التعدد القومي والاثني والمذهبي... إلخ، ويضيف: في الواقع فأنا لم أسمع مثل هذا الخطاب منذ مدة طويلة في الأوساط الإسلامية، مثل: الإخوان المسلمين (في مصر)، بل بالعكس الإخوان المسلمون يتحدّثون الآن عن مصر.
وحينما أكدت للبروفيسور المسيري وجود نماذج من هذه العقليات في أوساط بعض التيارات الإسلامية، قال المسيري: هؤلاء فقدوا العلاقة بالواقع، والواقع يهمشّهم تدريجيا، وأصبحوا غير قادرين على التعامل مع الواقع وهؤلاء ليسوا حركة سياسية ويترجموا أنفسهم أحيانا كجماعات هامشية إرهابية.
هكذا ينظر البروفيسور المسيري لتلك التيارات الإسلامية التي تتحدّث عن إقصاء الآخر، أعني بالآخر المواطن الذي يعيش على الأرض وينتمي للدولة القومية.
والسؤال المطروق وسط هذه اللجة هو: هل الدولة في الدول العربية والإسلامية، تعمل بمثل هذه النظرية التي نطالب بها التيارات الإسلامية وغيرها أن تعمل وفق إطارها؛ أي إطار المواطنة؛ والمساواة أمام القانون وغيرها من مفاهيم حقوق الإنسان الأساسية، أم إنها (الدولة) تعمل عكس ذلك؟!
في بعض الأنظمة العربية كرّست نظرية القبيلة، وفي أقطار أخرى كرّست نظرية الطائفة، وفي غيرها العرق...إلخ من تمايزات بين البشر ما أنزل الله بها من سلطان.
الدولة يجب عليها أن ترسّخ مفاهيم المواطنة لدى الناس، وتمحو الأمية الوطنية - إن جاز التعبير - عند مواطنيها، كما إن على النخب دورا كبيرا في صوغ الوعي الوطني وإحلاله بدلا من المحدد الديني/المذهبي أم العرقي أم القبلي أم الإقليمي الضيق.
على رغم من امتلاك المسلمين لأقدم الوثائق التاريخية في العدل والمساواة، دستور المدينة، إلا أن عوامل كثيرة، سياسية واجتماعية، لاحقة على عهد الخلفاء الراشدين (ر) كان لها الأثر الكبير في الإقصاء والاستفراد والاستبداد. وما كان لمن جاء بعد الخلفاء (ر)، لولا الإطار الشرعي الديني وما تم وضعه من أحاديث نبوية، تخدم توجهات السلطة السياسية في الاستفراد بالسلطة والثروة. لذا، نحن المسلمين اليوم نسعى لتطبيقات سياسية ودستورية، توصف من قبل فئات محددة بأنها مستوردة من دول الكفر! حتى وإن كانت أقرب لديننا الإسلامي الحنيف ودستور المدينة على وجه التحديد!
وبما أن أرباب السلط السياسية في العالم الإسلامي لا يريدون التنازل عن هاتين المزيتين (السلطة والثروة) فإن علماء السلاطين لا يعجزهم التشنيع بكل من يطالب هذه الأنظمة السياسية باقتسام السلطة والثروة مع الناس، ولديهم مخزون تراثي ضخم، ونظريات متكاملة تشرعن الاستفراد بالسلطة والثروة!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ