العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ

بوش... وبوابة فلسطين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل أن تبدأ وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس جولتها في عواصم «الشرق الأوسط» لترويج دعوة الرئيس جورج بوش بشأن السلام في المنطقة سارع الناطق الرسمي باسم «البيت الأبيض» إلى التقليل من نتائج «المؤتمر الدولي» الذي يرجح أن يعقد في الخريف المقبل.

الاختراقات إذا ستكون محدودة وتحت سقف التوقعات. وهذا الاحتمال يؤكد أن الدعوة التي أطلقها بوش لم تكن مدروسة أو على الأقل اضطر إلى السير بها لشد الانتباه من مأزقه في العراق والظهور أمام الجمهور الأميركي بموقع القوي والقادر على إدارة لعبة الصراع من مكان آخر.

لماذا سارع بوش إلى الإعلان عن مبادرته في وقت يدرك «البيت الأبيض» أن النتائج لن تكون مرضية للأطراف وغير مغرية للقوى التي لاتزال تراهن على السلام مقابل الأرض؟

هناك احتمالات كثيرة منها أن الإدارة الحالية تمر في مرحلة صعبة داخليا تتمثل في استمرار الكونغرس على مواصلة ضغوطه بشأن الملف العراقي. فـالكونغرس بدأ يناقش بوضوح فكرة الانسحاب الفوري أو على الأقل تحديد موعد زمني يلتزم به الرئيس. والرئيس بدوره بدأ منذ أسابيع مناقشة موضوع الانسحاب والمخاطر السلبية التي ستترتب عليه في حال اتخذ القرار.

موضوع العراق شكل الدافع الرئيسي وراء مسارعة بوش إلى الإعلان عن «المؤتمر الدولي» في الخريف. وتحديد فصل الخريف موعدا يتصادف زمنيا مع فترة يفترض خلالها أن يكون الكونغرس قد أنهى مناقشاته بشأن جدولة الانسحاب من العراق التي حدد سقفها في أبريل/ نيسان من العام المقبل.

التوقيت جاء للتغطية على الحدث الأبرز. وتعيين الموعد في الخريف تعمده بوش لشد الأنظار ومنع الرأي العام (الناخب ودافع الضرائب) من التركيز على فشل لحق باستراتيجية أعلنت عزمها على تغيير سياسات وتعديل خرائط وإعادة تشكيل «الشرق الأوسط».

هرب بوش من البوابة العراقية إلى البوابة الفلسطينية لا يعني إطلاقا أن الباب الثاني أسهل من الأول، إلا أنه على الأقل يعطي إشارات كاذبة للناخب الأميركي بوجود بدائل «شرق أوسطية» تبرر السياسة التي اعتمدتها واشنطن في المنطقة خلال السنوات الست الماضية. فالهرب من بلاد الرافدين إلى المشرق العربي جاء للتغطية على نقاشات حادة دخلت فيها أجنحة الإدارة في مناوشات تتصل بوضع العراق بعد الانسحاب. الكل خائف من التداعيات بما فيها تلك التيارات التي تضغط بالانسحاب الفوري أو المجدول زمنيا. والكل أيضا خائف من الفراغ الأمني الذي قد ينشأ عن حركة الجيوش والقوى الإقليمية واحتمال تدخلها في بلاد الرافدين لحماية حدودها وضبط الأمن ومنع الفوضى من الانتشار في دول الجوار.

الانسحاب الأميركي ليس بسيطا في تداعياته السياسية وهو ربما يعادل ذاك الهجوم الغادر الذي قررته واشنطن حين خالفت الأمم المتحدة وخرقت كل المحرمات الدولية لتأكيد توجهات ايديولوجية رسم معالمها تيار «المحافظين الجدد». الهجوم الأميركي أدى إلى تقويض دولة العراق وتفكيك العلاقات الأهلية وبعثرتها مذهبيا وطائفيا إلى «فيدراليات مناطقية» وتهديد أمن دول الجوار وزعزعة استقرارها ونشر الفوضى وتشجيع شبكات الإرهاب على مد نفوذها وخيوطها.

الانسحاب الأميركي سيؤدي أيضا إلى نتائج مريعة وتداعيات سلبية ليست بسيطة إذا لم تسارع دول الجوار إلى التوافق على مشروع حل يضمن توازن المصالح الإقليمية ويعيد ترتيب التوازنات الأهلية العراقية تمهيدا لترميم البلاد وإعادة بناء دولة وطنية مشتركة.

بوابة العراق

الانسحاب إذا سيكون مكلفا وربما يعادل في نتائجه كل تلك الأضرار التي ألحقها الهجوم الأميركي على العراق والمنطقة. وربما يكون هذا التحليل السلبي الذي توصلت إليه أجنحة الإدارة بشأن الانسحاب كان السبب الدافع الذي وقف وراء مسارعة بوش إلى الإعلان عن موعد «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي يدرك قبل غيره أن البوابة الفلسطينية أصعب من العراقية. ويعلم أيضا أن المكاسب المتوقعة من وراء تغيير المسار لن تكون أفضل في اعتبار أن حليف واشنطن الدائم والاستراتيجي يرفض التجاوب مع القرارات الدولية وهو الطرف المسئول عن تعطيل كل مبادرات السلم العربية من بيروت إلى الرياض.

البوابة الفلسطينية يرجح ألا تنقذ بوش من ورطته في العراق. فالمعركة في هذه الدائرة أصعب وتتطلب من تل أبيب التعاون المطلق مع رغبات واشنطن ومساعدتها على تحسين صورتها أمام دافع الضرائب والناخب الأميركي.

هل تل أبيب في موضع المستعد لمساعدة بوش وتقديم التسهيلات لسياسته الفاشلة وإنقاذ سمعة واشنطن من التفكك والانهيار في المنطقة؟

ردود الفعل الأولى التي صدرت عن حكومة ايهود أولمرت بشأن دعوة بوش تبدو بليدة وغير متحمسة على رغم تجاوبها مع الإعلان. الموافقة على الإعلان ليس المطلوب إسرائيليا وإنما المطلوب هو مدى استعداد تل أبيب على تقديم تصورات سياسية تتجانس مع روحية القرارات الدولية المتصلة بالقدس واللاجئين والأراضي العربية والفلسطينية المحتلة. وكل هذه النقاط تبدو غير واردة في برنامج حكومة أولمرت لا اليوم ولا في الخريف المقبل.

إدارة بوش تعلم تماما أين يقع الخلل. الدول العربية المعنية بالسلام والحل العادل رحبت بالدعوة وأكدت استعدادها للحضور والتجاوب مع النقاط الرئيسية التي وردت سريعة مختصرة في خطاب بوش. حتى الرئيس السوري بشار الأسد أرسل إشارات إيجابية بهذا الشأن مشترطا الوضوح في مسار القنوات وصولا إلى التفاوض مداورة ثم مباشرة.

المشكلة ليست في الجانب الفلسطيني ولا في الجانب العربي. المشكلة تقتصر على الجانب الإسرائيلي وحليف واشنطن الدائم والاستراتيجي في المنطقة. ومشكلة بوش ليست في إقناع العرب بالسلام وإنما إقناع إدارته أولا بأهمية السلام ثم إقناع حليفة الإسرائيلي بضرورة السلام.

إدارة بوش نفسها غير مقتنعة بالسلام وشروطه المستقرة والعادلة، وهي لاتزال تميل إلى تغليب تطبيع العلاقات أولا قبل البحث بموضوع الأراضي وإعادتها إلى أصحابها. وهذا يعني أنها لاتزال تجنح إلى لغة القوة والعنف واستكمال الحروب لمصلحة منع الدول العربية من تعديل موازين القوى في معادلة الصراع مع تل أبيب. والحروب القهرية التي شنتها واشنطن على المنطقة منذ العام 1990 بذرائع مختلفة ومختلقة تؤكد كلها أن الولايات المتحدة لا تريد الاستقرار في المنطقة وتحبذ التعامل مع دولها بأساليب التهويل والتخويف والتقويض كما حصل في أفغانستان وسلطة عرفات والعراق وغزة ولبنان وأيضا سلطة عباس في الضفة.

دعوة بوش ربما تكون وسيلة إعلامية للتهرّب من المسئولية الكارثية التي أوقعت واشنطن المنطقة بها بعد غزوها للعراق. ويحتمل أيضا أن تكون للتغطية على الفشل وشد الانتباه من بلاد الرافدين إلى المشرق العربي. فالقصد هو إطلاق بالونات حرارية لاختبار مراكز القوى في المنطقة في فترة تكون الإدارة تخوض معركة سياسية في الكونغرس بشأن الانسحاب من العراق. فالتوقيت في الخريف المقبل ليس مصادفة لأنه يتوافق مع احتمال صدور قرارات واضحة تتعلق بجدولة الانسحاب أو تجميع القوات في قواعد عسكرية ومهابط طيران.

الهروب من البوابة العراقية إلى البوابة الفلسطينية لا يعني إطلاقا أن الباب الثاني أسهل من الأول وإنما ربما يدل على وجود مؤشرات على بدء الاعتراف بالفشل والعمل على البحث عن بدائل للتغطية. ووصول رايس إلى القاهرة الثلثاء المقبل لجس النبض وتلمس خطوط المواصلات والاتصالات يعتبر بداية في طريق شاق لا يقل صعوبة عن العراق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً