الحديث عن خليج توبلي يفطر القلب، فهو أنموذج صارخ لعرقلة حكم القانون، ولتراجع فاعلية الحكومة، ولغياب الشفافية... وقد اختصر لنا البنك الدولي الموضوع في مؤشراته التي صدرت في 10 يوليو/ تموز الجاري عندما أشار إلى انخفاض جميع المؤشرات التي يستخدمها المصرف لتحديد الحكم الصالح فيما يتعلق بالبحرين. لا أدري لماذا هذا اللف والدوران، فبالإمكان مصارحة الرأي العام بواقع الحال، وهو أن 12 قانونا وقرارا لا يستطيع أن يحمي خليج توبلي من الدمار، وهو أن رمي القاذورات في الخليج (85 ألف متر مكعب يوميا من مياه الصرف الصحي غير المعالجة) مستمر، لأن الموضوع لا يتعلق بقرارات ورقية وإنما بواقع مفروض على الأرض، وأن استمرار رمي القاذورات، وردم أكثر من نصف الخليج، سيدفع الناس لاحقا إلى المطالبة بدفن الخليج للتخلص من الروائح التي ستزداد. ثم: كم مساحة خليج توبلي؟ في الماضي كانت 28 كيلومترا مربعا، ولكن الاوراق الرسمية قبل عام تتحدث فقط عن 13.5 كيلومترا مربعا (اختفى النصف على الورق)، وعمليات الدفن الحالية المستمرة ستقلصه الى هذه المساحة، بل والى أقل من ذلك. وبحسب التسريبات فإن الخليج سيتحول الى قناة مائية، وهذه من المحتمل ان تكون ملوثة، وعليه لا بد أن يتم ردمها بالكامل لاحقا، أو أن القاذورات التي تضخها محطة توبلي يجب توجيهها إلى مكان آخر.
في قديم الزمان كان أهل البحرين يذهبون إلى خليج توبلي ويغرفون أفضل أنواع الروبيان ويصيدون أفضل أنواع السمك، وكانت أشجار القرم تغذي الحياة البحرية وتتغذى منها الحيوانات، وكانت المناظر الخلابة يتغنى بها الشعراء، إذ كتب بعضهم عدة قصائد تتغزل في الخليج قبل مئات السنين. ولو قدر لمن تغزل بالخليج وجماله وما يحتويه أن يكون معنا اليوم لما استطاع أن ينطق ببيت شعر واحد، لأن أنفه سيزكم من الرائحة، وسيصاب بالهذيان عندما يرى السمك ميتا والحياة البحرية ملوثة، بينما يسمع كل يوم عن القرارات المتخذة لحماية خليج توبلي، فيما الواقع يتحدث عن «تدمير» خليج توبلي.
عندما كنا في المدرسة، كان أحد مدرسينا المصريين يقول إن قصابا في القاهرة وضع لافتة على دكانه تقول «غدا البيع بالمجان»... وكل يوم يأتيه أحد يسأله عن البيع المجان يرد عليه «غدا»، وغدا لا يتحقق أبدا، لأنه تاريخ متحرك مع كل يوم، وعليه فالقصاب ليس كاذبا، واللافتة ليست كاذبة، ولكن القصاب سيسقط في «مؤشرات الحكم الصالح» لو طبقت عليه.
المرسوم رقم (53) لسنة 2006 نص على أن خليج توبلي «محمية طبيعية»... «تتملكه الدولة بكامله»... و«يخضع لإشراف الجهات المعنية»، وينص على أن «توقف جميع أنواع الدفان والردم في خليج توبلي»... ولكن كلنا يعلم أن خليج توبلي محمي على الورق فقط، وكل ما نحتاج إليه المصارحة: إعلان تدمير الخليج رسميا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ