العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ

وزيرة مسلمة في فرنسا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بينما بدأت الحكومة الفرنسية الجديدة الأسبوع الماضي بتمرير إصلاحات محافظة في البرلمان لمحاربة الجريمة، جرى ذلك بقيادة مسلمة لها عيون غزالة، نشأت في إسكان حكومي.

قد تكون خلفيتها غير تقليدية وخبرتها السياسية محدودة، إلا أن وزيرة العدل رشيدة داتي أثبتت قدرتها على اختراق الحواجز.

داتي هي أول وزيرة من أصل شمال إفريقي وواحدة من سبع وزيرات في أكثر الحكومات تنوعا في تاريخ فرنسا.

رشيدة واحدة من اثني عشر ابنا وابنة لأب مغربي وأم جزائرية، وهي بعيدة وغريبة جدا عن النخبة السياسية المسيحية التي يسيطر عليها الذكور كنادٍ سياسي.

كذلك يشكل انطلاقها من مجمع سكني مكتظ إلى الأروقة الذهبية للسلطة في فرنسا حالا استثنائية في دول يندر فيها التقدم الاجتماعي لمن هم من أصول مهاجرة. وقد برزت قصة نجاح تشهد لمردود العمل الجاد الشاق، وجائزة لناصحها المخلص الرئيس نيكولاس ساركوزي، ورؤيته المثالية لفرنسا دولة قائمة على الجدارة والاستحقاق.

استوطن العرب من المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال إفريقيا في فرنسا بأعداد كبيرة خلال السنين الخمسين الماضية، ويعتقد أنهم يشكلون نحو 10 في المئة من مجمل السكان. بعضهم حقق النجاح رياضيين أو موسيقيين. ولكنهم لم يصلوا بعد إلى مواقع مكافئة في المناصب العليا للأعمال والأكاديمية والسياسة.

بدت مشاعر عدم الثقة التي تثبط عزيمة الكثير من العرب الفرنسيين غريبة على داتي، بحسب رأي الكثير من أصدقائها.

«إنها تمثل الجيل الجديد، أصحاب الطموح والشهادات الجامعية الذين يطالبون بأن يعامَلوا بالمثل» يقول حكيم الكروي، المصرفي والمؤسس المشارك مع داتي لنادٍ لنشطاء بدأوا يبرزون من أصول مهاجرة.

بعكس الكثير من شركائها في نادي القرن الحادي والعشرين، وجدت داتي ملاذها في اليمين السياسي في فرنسا، وهي تدين بصعودها السريع لإقامة ارتباطات متشابكة ذكية عاقدة العزم، بدأت عندما كانت تلميذة في المدرسة تكتب رسائل إعجاب إلى مشاهير قرأت عنهم في المجلات.

قبل خمس سنوات وعندما كانت تعمل قاضية مبتدئة في محكمة شاقة صعبة في الضواحي كتبت رسالة إلى ساركوزي الذي كان يومها وزيرا للداخلية. رسالتها في الجوهر، تقول: «أنتَ بحاجة إلي».

بعد رسالتها الثالثة وافق ساركوزي - وهو نفسه ابن لمهاجرَين - على مقابلتها. في العام 2002 استخدمها ساركوزي لتحسين علاقاته مع الأقليات من العرب والسود في المجتمعات المتمردة في الضواحي. وعندما ترشح للانتخابات هذه السنة كانت داتي هي الناطقة باسمه.

لم ينجح وجودها الواسع النطاق كثيرا في محو الصورة السلبية لرئيسها في أحياء المهاجرين، إذ يذكره السكان لأنه كان يشير إلى المجرمين صغار السن بالقمامة ويقول عن المسلمين الفرنسيين وهم يذبحون الخراف في أحواض استحمامهم. سكان تلك الأحياء صوتوا بشكل ساحق لصالح غريمة ساركوزي. إلا أن داتي اكتسبت معجبين لكونها حلقة الاتصال مع المرشح.

«كانت بسيطة وطبيعية وتلقائية» يقول ناجي حميدة، وهو متظاهر تحول إلى ناشط من ضاحية أرجنتيل الباريسية، وهي الضاحية التي ذكر ساركوزي فيها ملاحظته المشهورة عن «القمامة» قبل سنتين. «لقد أنصتت لنا» يقول حميدة.

ولدت داتي في قرية سانت لوب دي فارين حيث كان والدها المغربي يعمل حجّارا. ولكنها قضت معظم شبابها في شالون سور ساون، في مشروع إسكاني متداعٍ في البداية، ثم في ضاحية شُيِّدت حديثا من المصانع والمباني السكنية.

أُرسلت مع شقيقاتها الأصغر منها سنا إلى مدرسة كاثوليكية خاصة. في حصة العقيدة الدينية تمكنت رشيدة من إقناع أساتذتها بالسماح لها بقراءة فِقرة أسبوعية من القرآن الكريم للبحث من قِبل زملائها في الصف. أثناء دراستها الاقتصاد في كلية في ديغون، قرأت خبرا في صحيفة عن حفل استقبال في السفارة الجزائرية في باريس لوزير العدل آنذاك البين شلاندون. طلبت دعوة للحفل وحصلت عليها. أثناء الحفل توجهت إلى شلاندون وطلبت مساعدته على الحصول على وظيفة جيدة. في مقابلة له مع صحيفة «لوموند»، وصف شلاندون كيف «بهرته الطاقة التي كانت تشع منها». «أستطيع أن أساعدك على وضع إحدى قدميك في الركاب»، يقول إنه أخبرها: «ولكن عليكِ أن تثبتي أن باستطاعتكِ وضع القدم الأخرى هناك».

في العام 1977، وبتشجيع من شخصيات مهمة كانت ترعاها، قدمت رشيدة طلبا إلى كلية القضاة الوطنية الشهيرة. حصلت على مكان في كلية التدريب وعملت مدة سنتين قاضية، وعملت في مجال الإفلاس وقضايا التزوير المالي.

ولكن كانت لديها طموحات أوسع للتأثير على السياسة. وجاءت الفرصة في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 عندما قام ساركوزي بزيارة مضطربة هائجة وزيرا للداخلية للمشروعات الإسكانية التي تسيطر عليها الجريمة في أرجنتيل.

محاطا بالسكان العدائيين الصارخين، وقد احترقت سيارته الرسمية، أخذ ساركوزي أرقام الهواتف الخلوية لشباب غاضبين كانوا يطالبون بالحديث معه. بعد أيام قليلة قام بدعوة مجموعة منهم إلى الوزارة وعيّن رشيدة داتي للعمل معهم.

لم يكن أي من الشباب قد زار وزارة حكومية من قبل أو قابل وزيرا، كما لم يكونوا قد قابلوا الكثير من الناس من أمثالهم - أبناء المهاجرين العرب الفقراء والأميين - الذين حققوا نجاحا في السياسة والأعمال.

«ليس لدى الكثير من الشباب في الضواحي حتى أحلام كهذه لأنهم لم يتعرضوا أبدا للنجاح» يقول حميدة. ويتابع «لأن أحدا لم يكن طبيبا أو مهندسا في مناطقهم، أصبحت لديهم القناعة أن النجاح هو حكر على الآخرين».

وفرت رشيدة داتي لهم نموذجا. عندما ترى امرأة من خلفية مهاجرة تصبح وزيرة فستفكر وتقول: «حسنا، لقد عملت بجد وحققت شيئا ما. إذا الأمر ممكن».

*مراسلة في «كريستشن ساينس مونيتور»،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً