دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى تحضير الأجواء لعقد مؤتمر دولي في الخريف المقبل تشارك فيه «دول الجوار» بهدف أحياء عملية السلام في منطقة «الشرق الأوسط» باتجاه «حل الدولتين» هل هي خطوة إلى الأمام أم محاولة للتهرب من المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق؟ وأيضا هل «دول الجوار» جاهزة أو مستعدة لتلبية هذه المبادرة؟
الدعوة التي أشار إليها بوش في خطابه الأخير ليست جديدة، ولكنها جاءت هذه المرة أكثر وضوحا من المرات السابقة. فالخطاب حدد ملامح مشروع «الدولتين» والإجراءات الواجب اتباعها، كما أنه لم يحدد الشروط المسبقة ولم يضع «فيتو» على منع دولة من «الجوار» من عدم المشاركة. وهذا يعني أن سورية مدعوة إلى المشاركة في «مؤتمر دولي» كلفت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بمتابعة ملفاته والإشراف عليه.
دمشق إذا ستكون من بين الأطراف المدعوة إلى المشاركة في دعوة أميركية تعقد في الخريف المقبل. والخريف المقبل ليس بعيدا فهو سيأتي بعد ثلاثة أشهر أو أكثر بقليل. والدعوة العامة تمهد الأجواء لتبرير عودة العلاقات طبيعية مع سورية. ومن الآن حتى الخريف المقبل لابد من إجراء اتصالات وعقد لقاءات وتوجيه دعوات بعد الاتفاق على مكان الانعقاد والنقاط التي يجب أن تندرج على جدول المفاوضات.
لبنان أيضا سيكون من بين الدول المرجح حضورها لذاك «المؤتمر الدولي». وحضور لبنان يتطلب ضمنا التوافق على الطرف الذي يجب أن يمثل الدولة حتى لا تنتقل الخلافات إلى هناك. ولضمان حضور لبنان لابد أن يكون البلد الصغير قد أنهى مشكلاته الدستورية وتلك الاستحقاقات التي يواجهها من الآن حتى «الخريف المقبل».
فلسطين أيضا هي في طليعة القوى المطلوب حضورها وخصوصا أن بوش أرفق دعوته بمجموعة وعود وطلبات. فهو أكد أن حكومة سلام فياض هي التي ستمثل السلطة الفلسطينية وأنه خصص لها 190 مليون دولار لتسهيل أعمالها. كذلك طالب «إسرائيل» بإنهاء الاحتلال وتفكيك الحواجز ووقف توسيع المستوطنات تمهيدا لبناء دولة ذات حدود متصلة وقابلة للحياة والتعامل الإيجابي مع موضوع القدس ووضع اللاجئين.
مشاركة «دول الجوار» في «المؤتمر الدولي» تعني الكثير من الاحتمالات. فإذا كان المقصود دول «الجوار الجغرافي» فهذا يعني أن المشاركة تقتصر على مصر والأردن وفلسطين وسورية ولبنان و «إسرائيل» وربما جامعة الدول العربية بصفتها تنوب عن الطرف العربي الذي عقد قمة في الرياض أكد فيها مبادرة السلام مقابل الأرض. أما إذا كان المقصود دول «الجوار السياسي» فمعنى ذلك أن دائرة التفاوض ستتسع لتشمل الكثير من الأطراف العربية المعنية بالصراع حتى لو كانت بعيدة أو قريبة من جغرافية فلسطين.
حتى الآن الدعوة عامة وغامضة في شروط المكان والزمان وجدول الأعمال، ولكنها تكشف عن استعداد أميركي لإعادة النظر في سياسة مغلقة قررتها إدارة واشنطن منذ سنوات ودأبت الإدارة الحالية على مواصلتها بأسلوب فجّ في انحيازه المطلق لتل أبيب.
إعادة النظر هذه تطرح أسئلة عن الدوافع التي أملت على بوش اتخاذ هذه الخطوة الصعبة قبل 18 شهرا من خروجه من «البيت الأبيض». فهل هو على قناعة بدعوته أم أنه أطلقها لرفع المسئولية عن كاهله ورميها على الفريق الحزبي المنافس بعد انتهاء ولايته الثانية؟ وهل أراد أن يرفع العتب عن إدارته بعد سلسلة وعود أطلقها سابقا بشأن بناء دولة فلسطينية «قابلة للحياة»، ولكنه فعل كل المستحيلات لقطع شرايين الحياة عن دولة لاتزال مجرد مشروع متخيل على الورق؟ وهل أراد من وراء إعلان دعوته دول الجوار إلى المشاركة في «المؤتمر الدولي» إرسال إشارة واضحة ببدء إنهاء عهد القطيعة أو المقاطعة لدمشق وطهران في المشروعات والحلول؟
دول الجوار
مشاركة دول الجوار في «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل تتطلب مجموعة خطوات منها توجه وزيرة الخارجية الأميركية أو من ينوب عنها إلى سورية وإيران للبحث في شروط الدعوة ومكانها وجدول أعمالها. والمشاركة أيضا تعني توضيح الموقف الأميركي من مشروع مبادرة السلم العربية التي طرحت في بيروت وجددت في قمة الرياض. كذلك تعني توضيح الدور الأوروبي وموقع روسيا والصين ووظيفة «اللجنة الدولية الرباعية» التي أصبحت الآن برئاسة رئيس الحكومة البريطاني السابق طوني بلير. وأخيرا وليس آخرا كيف سيكون وضع «إسرائيل» إلى طاولة المفاوضات؟ وهل باتت في موقع سياسي يسمح لحكومتها الحالية (إذا استمرت في الحكم) بالقبول بالتسوية والتنازل عن الأراضي المحتلة وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بهذا الشأن؟
الدعوة الأميركية إذا غير واضحة وأمامها الكثير من الألغام التي يجب تفكيكها قبل السير في حقل تحيط به مخاطر الانزلاق نحو سياقات مجهولة أو مقفلة. ومثل هذه الخطوة حتى تكون ناجحة تحتاج فعلا إلى تحضيرات وإلا فستكون ناقصة ومجرد إعلان نوايا لكسب الثقة وشراء الوقت وإسكات القوى الأميركية التي تناهض استمرار الحرب على العراق وتطالب بجدولة زمنية للانسحاب.
لابد إذا من قراءة حذرة لدعوة بوش. فهي قد لا تكون جادة بقدر ما تكون محاولة للتهرب من مأزق العراق من خلال إطلاق قنابل دخانية تشد الانتباه من مكان إلى آخر بقصد تعطيل الضغط الذي يمارسه الكونغرس والحزب الديمقراطي في موضوع بلاد الرافدين.
توقيت بوش لموعد «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل يرجح أن يكون وراء الدعوة لعبة دبلوماسية تتصل بذاك الخلاف الناشب بين نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية. فالنائب كان يضغط باتجاه التصعيد وعدم القبول بتوصيات ونصائح تقرير بيكر - هاملتون، على حين اتجهت الوزيرة نحو تخفيف حدة التصعيد وتجربة توصيات التقرير ميدانيا وسياسيا وإعلاميا من خلال تطوير اللقاءات والاتصالات مع سورية وإيران.
يبدو أن بوش بعد أخذ وردّ ومماطلة تكيف نسبيا مع رغبات الوزيرة رايس. والدعوة قد تكون محاولة للتهرب من مأزق العراق بفتح باب التفاوض بشأن السلام في «الشرق الأوسط» والعمل على بناء «حل الدولتين». وتحديدا هنا تكمن اللعبة الدبلوماسية. فالتقرير يدعو الإدارة إلى فتح قنوات اتصال مع طهران ودمشق للمساعدة على موضوع العراق من دون أن يسقط من توصياته أهمية معالجة القضايا المزمنة ومنها فلسطين والأراضي العربية المحتلة، على حين دعوة بوش تتجه إلى فتح قنوات اتصال مع إيران وسورية للمساعدة على مشروع حل لقضية فلسطين والأراضي المحتلة من دون إسقاط الموضوع العراقي من جدول الأعمال.
السياق متوافق نسبيا، ولكن مداخل الاتصال اختلفت. فالتقرير يضع الباب العراقي في واجهة فتح قنوات اللقاءات، على حين الدعوة تضع الباب الفلسطيني في الواجهة. الاتصالات إذا ستحصل إذا كانت الإدارة الأميركية جادة، ولكن الذريعة اختلفت؛ لأن بوش لا يريد الاعتراف بالمأزق العراقي وإنما يريد أن يظهر أمام الجمهور الأميركي في موقع القوي والقادر على إدارة الصراع من دون خوف أو ضعف.
«الشرق الأوسط» إذا أمام جولة جديدة من الاتصالات تمهيدا لمفاوضات حُدِّد موعدها في الخريف المقبل. وقبل أن يأتي فصل الخريف ظهرت علنا وفي الغرف المغلقة وقنوات التسريب سلسلة مواقف وجهت رسائلَ واضحة في هذا السياق. فإيهود أولمرت أطلق تصريحات بهذا الشأن ووجه دعوة إلى دمشق للحوار العلني. كذلك الرئيس السوري أبدى استعداده للتفاوض في خطابه الأخير ضمن معادلة الأرض مقابل السلام.
موعد الخريف المقبل ليس بعيدا، ولكنه يحتاج إلى خطوات كثيرة وصعبة لاجتياز أيامه وأسابيعه الآتية سواءٌ على مستوى بوش وعلاقته بالكونغرس، أو على مستوى الخطة الأمنية في العراق والاتصالات الجارية مع إيران بقصد إنجاحها ميدانيا، أو على مستوى مصير لبنان الذي يواجه استحقاقات دستورية وأمنية حامية، أو على مستوى فلسطين ومدى تجاوب تل أبيب مع الحد الأدنى من الحقوق الشرعية والمشروعة.
الموعد قريب زمنيا إلا أن هناك الكثير من العقبات والمشكلات التي تحول دونه وتجعله بعيدا جدا.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1776 - الثلثاء 17 يوليو 2007م الموافق 02 رجب 1428هـ