بعيدا عن السياسة، وعن الفساد، وعن الدمار البيئي الذي لحق بخليج توبلي وغيره من «طبيعة خلابة» بيد الطامعين والفاسدين والمتنفذين... هناك دمار من نوع آخر يتفق مع ما سبق في الصفة «دمار» ويختلف عنه في الوجهة... هناك الطبيعة والحياة... وهنا الأسرة وإن كانت هي الحياة أصلا بالنسبة إلى أي فرد منا.
الدمار الذي نحن بصدد الحديث عنه يتلخص في عبارة من كلمتين «سكانه مرته»، «السكان» وهو مقود السيارة، «مرته» أي زوجته، ولا أظننا بحاجة إلى تعريف العبارة بشكل مفصل أكثر، إذ إنها متداولة في كل بيت، ولو من باب المزاح، الذي يحمل في الغالب خلف كواليسه، مشاعر ألم ولوعة يتكبدها الاثنان (الزوج والزوجة) إن لم تمتد تأثيراتها إلى التوابع (الأولاد).
من ناحية الزوج، فالعبارة تلك تضربه في رجولته، إذ إن الرجل الشرقي لا يقبل أبدا أن يكون مسيرا من قبل أي أحد، وخصوصا إذا كان امرأة، وتحديدا زوجته، فالرجل هو رجل البيت، «الكلمة كلمته، والشور شوره» كما يتداول أيضا.
وبالنسبة إلى الزوجة فالعبارة تأخذ معها منحنيين، الأول قد يصيبها بالنشوة والغرور، والآخر قد يصيبها بمقتل، وخصوصا إذا رأت في معاملتها لزوجها ومعاملته هو لها، وحوارهما، والاستئناس برأي بعضهما بعضا، نوعا من باب المشاركة والتعاون نحو حياة سعيدة هانئة، من دون فرض أو إلزام من أي طرف للطرف الآخر... ولكن من لا يفهم نوعية «المشاركة» تلك، والمتعصب للإرث الذكوري «المتسلط» يوصم الزوج المتفهم بـ «سكانه مرته»!
المشكلة تبدأ من مجموعة الأصدقاء، عقليتهم وطبيعة محيطهم، فالزوج المتفهم لمشاعر زوجته والمقدر لمعنى الحياة الزوجية المتلخص في «المشاركة» حائر بين الاثنين، الأصدقاء الذين يوصمونه بالعبارة تلك لمجرد أنه تعذر عن الخروج معهم مثلا، وقد يكون السبب بعيدا عن زوجته... وبين تفكيره العقلاني «المنفرد» - وسط أصدقائه - للحياة الزوجية.
المعاتبة البسيطة بين الزوج وزوجته قد تتحول إلى شجار حاد بسبب «سكانه مرته» التي في الغالب ما تستفز المرأة التي تجد في تلك العبارة إجحافا بحقها وظلما لها، في حين يرى الرجل فيها وسيلة لتهديد زوجته «من اليوم ورايح سأتصرف على كيفي وسأرجع للبيت وقتما رغبت، ويكفيني أن ربعي يعايروني سكانه مرته».
الحياة في تطور، والزمن لم يعد زمن «سي السيد». المرأة باتت تشارك الرجل في كل شيء، وأوله العمل والمشاركة في توفير مستلزمات الحياة الذي هو ليس واجبا عليها، فلم يوصف الرجل بـ «سكانه مرته» إذا فكر في المكوث مع زوجته وعياله ليوم، وينأى عن «سلطته» إذا كان الأمر يتعلق بالمشاركة «المادية» التي هي أساسا واجب شرعي عليه؟!
كلمة زوج تحمل رقم 2، والرقم بحد ذاته يحمل مبدأ «المشاركة»... المشاركة في كل شيء وأولها المشاعر، التي لا يحكمها «سكان/ مقود» ولا «ذكر» ولا «أنثى». أملنا أن يقضى على إرث «سكانه مرته» المؤذي مثلما قضي على موروثات كثيرة أخرى مع أنها جميلة ومفيدة.
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ