العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

إيران والغنم القاصية!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

نحب إيران ونحب منها أن تكون معنا وأن نكون معها في حالات الرخاء وحالات الشدة، وندرك جيدا أن اختلافنا معها ضعف لها ولنا في آن واحد.

وأعلم أن الإخوة في إيران ومثلهم العرب جميعا يجعلون رسولهم الأعظم قدوتهم في كل شيء، ويتخذون أقواله كلها نبراسا يهتدون به في طريقهم لكي يصلوا إلى جادة الصواب ويهتدون إلى الحق في سائر أمور حياتهم.

الرسول الأعظم أمرنا بالوحدة وشبهنا بالجسد الواحد وحذرنا من الفرقة والتخاصم والشقاق وقال لنا في هذا السياق: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» فهل يصح بعد هذا أن يكون كل منا طعاما مستساغا للذئاب بسبب الفرقة والبغضاء؟

ومجمل ما جاء في القرآن الكريم يؤكد على فكرة الوحدة وخطورة الفرقة وأهمية الاعتصام بحبل الله: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»،( ال عمران:103).

هذه المعاني أزعم أن كل مسلم يعرفها، بل أزعم أيضا - أننا جميعا - إذا لم نأخذ بها بدافع الإسلام فإن مصلحتنا الدنيوية تلزمنا بالأخذ بها لأننا معرضون لفتنة قد تعصف بنا جميعا وأن المخرج الأهم لنا هو وحدتنا ضد العدو والذي يتربص بنا جميعا ليفرق بين مسلم وآخر.

أقول هذه البديهيات بمناسبة الأقاويل التي ذكرها السيدحسين شريعتمدراي في افتتاحية بصحيفة «كيهان» في 24 يونيو/ حزيران 1428هـ عندما قال: إن البحرين محافظة إيرانية وأنها مازالت جزءا من الأراضي الإيرانية وأنها انفصلت عن إيران بموجب تسوية غير قانونية بين الشاه وأميركا وبريطانيا... كما جاء في مقاله، إن شعب البحرين يطالب بالعودة إلى إيران.

هذه التصريحات أخذت أبعادا سيئة في عالمنا العربي عموما وفي البحرين خصوصا فلم يكن مقبولا من مسئول إيراني أن يقول هذا الكلام ويطالب بضم دولة عربية وعضو في الأمم المتحدة إلى دولة أخرى بسبب حوادث تاريخية كان لها ظروفها وانتهت بانتهاء تلك الظروف.

وكان من المستغرب أيضا أن تأتي هذه الأقوال في ظروف سيئة تمر بها إيران بسبب مواقف أميركيا والغرب منها بسبب مفاعلها النووي والتهديدات التي تتعرض لها، وكان مقتضى العقل والحكمة أن تحافظ إيران على كل أصدقائها وأن تبحث عن أصدقاء جدد يقفون إلى جانبها إذا تعرضت لمحنة من أعدائها، ولكن أن تأتي مثل هذه التصريحات وفي مثل هذا الوقت ومن مسئول إيراني له مكانته فهذا أمر لا يمكن فهمة ولا يمكن استيعابه!

السيدحسين شريعتمداري أعتمد على التاريخ في مقولته، فمن المعروف أن إيران احتلت البحرين سنة 1622م واستمرت فيها حتى سنة 1783م إذ حكمها آل خليفة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.

التاريخ وحده ليس كافيا للحكم على دولة مستقلة أيا كانت تتبع تلك الدولة أو لسواها بسبب وضع انتهى واتفق العالم كله على وضع جديد لكل دولة وأصبحت كل الدول تحت مظلة الأمم المتحدة تستظل بأنظمة هذه المنظمة التي اعترف بها العالم كله وأصبح الخروج على هذا الإجماع خروج على كل دول المنظمة، فهل من حق إيران وهي واحدة من هذه المجموعة أن تطالب بضم دولة أخرى مثلها إليها؟

ولو أراد العالم كله أن يحتكم للتاريخ - قديمه وجديده - في إعادة صوغ تبعية الدول بعضها بعضا لما أصبحت هناك دولة مستقلة، فإيران - مثلا - كانت تحت الحكم العربي لمئات السنين، فمرة كانت تتبع المدينة المنورة ومرة كانت تحت حكم الشام وثالثة تحت حكم العراق فهل يصح أن تطالب دولة من هذه الدول بإلحاق إيران بها؟ وهكذا إذا نظرنا إلى الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي وسواه للكثير من دول العالم ولمئات السنين فهل يصح - مثلا - أن تطالب بريطانيا بضم مستعمراتها الكثيرة إيليها؟

مثل هذه المطالبات ما عادت مقبولة في العالم كله، ولا نحب لإيران أن تعيد حكايات صدام ومغامراته التي أوصلت العراق إلى حالته السيئة التي يعيشها الآن.

البحرينيون أعلنوا عن رفضهم للتبعية الإيرانية بالإجماع، كان هذا سنة 1970م عندما قامت بعثة من الأمم المتحدة بزيارة البحرين واستطلاع رأي الأهالي فيما إذا كانوا يفضلون الاستقلال أو الانضمام لإيران فاختاروا الاستقلال.

هذا الاستطلاع جاء بعد أن أعلنت إيران 1957م عن ضم البحرين لها واعتبارها المقاطعة الرابعة عشرة ولكن بريطانيا رفضت هذا الادعاء، وعندما ادعت إيران أن أهالي البحرين يرغبون في هذا الانضمام جاء هذا الاستطلاع ليؤكد رفض البحرينيين لادعاءات طهران وإصرارهم على دولتهم العربية.

مجلس النواب البحريني - وهو ممثل الشعب - أعلن عن استنكاره لتصريحات شريعتمداري وطالبه بالاعتذار الرسمي لشعب البحرين - فكيف عرف السيد شريعتمداري أن أهالي البحرين يرغبون في الانضمام لإيران؟

أعرف أن السيد شريعتمداري يعبر عن رأيه الشخصي وأنه لا يعبر عن رأي حكومته، وهذه المعرفة جاءت من تصريحه لصحيفة «الشرق الأوسط» التي أكد فيها أنه لم يستشر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في أقواله لأن من حق كل إيراني أن يعبر عن وجهة نظره. ولكني أعرف أيضا أن مثل هذه التصريحات من مسئول مثله لن تمر بسلام شأنها شأن حديث أي كاتب صحافي، وأعرف أن السيد شريعتمداري كان عليه أن يدرك هذه الحقيقة وأن لا يحمل نفسه أو حكومته مالا تحتمل.

التصريحات التي أدلى بها القائم بالأعمال الإيرانية في البحرين كانت إيجابية فقد أكد أن شريعتمداري يمثل نفسه فقط ولا علاقة لإيران بأقواله وأنه يحترم استقلال البحرين.

ومثله فعل نائب الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي الذي قال لـ «الشرق الأوسط»: «إن ما قاله شريعتمداري في «كهيان» غير مسموح حتى داخل إيران، وأن مثل هذه التصريحات تضر بمصالح البلدين ولا تخدم الوحدة الإسلامية».

أتمنى أن تأخذ الحكومة الإيرانية أقوال السيد خاتمي على محمل الجد وتدرك فعلا - أن هذه التصريحات تضر إيران وتؤدي إلى تفتيت الشعوب الإسلامية والعربية وترمي بها في أحضان أعدائها.

ولعل تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي قالها في البحرين تؤدي إلى تهدئة النفوس وأنه كان المؤمل أن يعمل الوزير وحكومته على إنهاء هذا اللون من التصريحات بصفة نهائية خصوصا إذا كانت من مسئولين وليست من كتاب لا يلامون كثيرا على ما يقولون.

إن الأميركان لم يتغلغلوا في بلادنا، ولم يتمكنوا من احتلال العراق إلا بعد تصريحات صدام عن الكويت وأنها إحدى محافظات العراق ومن ثم قيامه بغزوها... فهل لإيران مصلحة في دفع البحرين للارتماء في أحضان الأميركان إثر سماعها هذه التهديدات؟ وهل يمكن أن نلوم البحرين إن فعلت شيئا من ذلك؟ ومن المستفيد من هذا كله غير أعدائنا الذين يستغلون كل خلافاتنا لمصالحهم.

نود من إيران أن تكون سندا حقيقيا للأمة العربية والإسلامية، ونود من كل تلك الدول - أيضا - أن تكون سندا لإيران، ولكن كيف يمكن أن تتحقق هذه الأمنيات في ظل تصريحات ترمي بظلالها القائمة على سماء المنطقة كلها؟!

كثرة الاختلافات تجعلنا كالغنم القاصية التي يسهل على الذئاب أكلها فهل نعمل جميعا على أن لا نكون مثل هذه الغنم؟! أرجو ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً