العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

المنطقة واستحقاقات الأشهر الثلاثة المقبلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المنطقة العربية/ الإسلامية أمام استحقاقات دولية وإقليمية ومحلية خطيرة خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة. ففي هذه المهلة الزمنية القصيرة نسبيا ستتوضح الكثير من المشاهد السياسية في هذه الدائرة الاستراتيجية التي يطلق عليها شريط (هلال) الأزمات الممتد من أفغانستان إلى فلسطين وربما السودان (دارفور).

خطورة الاستحقاقات لا تقتصر على أهميتها العربية/ الإسلامية فقط بقدر ما لها من تأثير استراتيجي على التوازنات الدولية أيضا. فالقضايا الساخنة في المنطقة تم تدويلها منذ وقوع هجمات سبتمبر/ أيلول 2001. ومنذ ذاك التاريخ أصبحت الملفات الملتهبة رهن سياسات تخضع للتجاذبات الدولية. الملف الأفغاني بات تحت سقف التدويل (قوات التحالف الأطلسية). الملف النووي الإيراني أصبح تحت سقف الأمم المتحدة. الملف العراقي يخضع بدوره لسقف الاحتلال الأميركي وتفرعاته الدولية. الملف اللبناني وضع منذ العام 2004 تحت سلطة القرارات الدولية (1559، 1701، 1757). كذلك بات الملف الفلسطيني المزمن في تطوراته وتعقيداته يخضع لسقف دولي تديره مؤقتا «اللجنة الدولية الرباعية». والأمر نفسه يمكن سحبه على ملف الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة كالجولان وشبعا والقدس وغيرها (242، 338).

تدويل الملفات العربية/ الإسلامية اخضع قضايا المنطقة مباشرة أو مداورة للتوازنات الدولية وتجاذباتها التي تؤثر سلبا وإيجابا على توجهات القوى الإقليمية والمحلية. وبسبب هذا التدويل لم يعد بالإمكان رؤية مجرى المتغيرات الإقليمية والمحلية من دون قراءة المواقف الدولية واتجاهاتها وتحديدا السياسة الأميركية وسلوكها العام والخاص.

الولايات المتحدة لاتزال حتى الآن هي اللاعب الرئيسي في التأثير أو تحريك أوراق الملفات. فهذا «المايسترو» يسيطر بحدود تتراوح نسبيا بين 50 و70 في المئة في هذه القضية أو تلك. وبحكم وجود العامل الأميركي التدخلي بهذه النسبة أو تلك في هذه القضية أو تلك لابد من أخذ هذا الدور في الاعتبار لمعرفة اتجاه الرياح في الأشهر الثلاثة المقبلة.

التأثير الأميركي موجود بقوة في الملف الأفغاني، كذلك في الملف الإيراني النووي، وفي الملف العراقي، وأيضا في ملفات لبنان وفلسطين والسودان والجولان. ولذلك لابد أن تتركز القراءة على السياسة الأميركية وتوجهاتها الخارجية من خلال رصد التوازنات الدولية ومدى انعكاسها أو ارتباطاتها بالتوازنات الداخلية والتحالفات التي يمكن أن تتغير في المهلة الزمنية المقبلة.

الإدارة الأميركية الحالية تخوض معركة مع الوقت. ومسألة الوقت مهمة لأنها تضغط سياسيا وانتخابيا على التوازنات الداخلية وتجاذبات الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس. هذا التجاذب بين الكتلتين الحزبيتين ليس منفصلا طبعا عن المؤسسات الثابتة والمصالح العليا للدولة والمجموعات الصناعية واللوبيات (مافيات شركات الاحتكار). والتجاذب يعني في اللعبة الداخلية أن كل فريق يعكس برنامج أولويات ضمن خطة متكاملة تمثل وجهة نظر تكتلات اقتصادية ومالية محددة. فالاختلاف في برنامج الأولويات بين الديمقراطي والجمهوري ليس سببه «الأخلاق» و»الحريات» و»احترام حقوق الإنسان» وإنما يدور حول المصالح ومدى قدرة كل طرف على تمثيل مجاميع احتكارية لها مصلحة باستمرار سياسة «الحروب الدائمة» أو لها مصلحة مؤقتة في تجميد تلك السياسة لمصلحة الانفراج الدولي والانفتاح على قوى أخرى.

هذا التجاذب الداخلي بين القوتين الحزبيتين الأميركيتين ستكون له تأثيراته الخارجية على توجهات إدارة واشنطن. وبحكم ارتباط قضايا المنطقة بسياسة التدويل وعلاقة التدويل بالنفوذ الأميركي المباشر وغير المباشر ستكون لكل خطوة تتخذها إدارة جورج بوش في سياق التجاذب الحزبي مع «الديمقراطي» تأثيرها على توجهات القوى الإقليمية والمحلية في شريط (هلال) الأزمات من أفغانستان إلى السودان.

ضيق الوقت

مسألة الوقت مهمة في سياسة إدارة بوش التي يبدو أنها تخضع الآن لسلسلة امتحانات شبه يومية بانتظار رفع تقريرها إلى الكونغرس في نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل بشأن الخطة الأمنية في العراق. هناك إذا مسألة أسابيع لا تتجاوز في مجموعها مهما تلاعب بوش بالوقت مهلة الأشهر الثلاثة. ففي نهاية هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبيا سيفرض الكونغرس على الإدارة توضيح سياساتها وكشف تلك الملابسات التي تحيط بالخطة الأميركية ومشروع واشنطن في السنة الأخيرة من ولاية بوش الثانية.

ماذا سيقول بوش للكونغرس في تقريره السياسي عن خطته الأمنية في العراق؟ هناك احتمالات ثلاثة: أولا، الخطة ناجحة وتحتاج إلى مزيد من الوقت والدعم لاستكمال خطواتها المجدية.

ثانيا، الخطة فاشلة ولابد من وضع جدول زمني للانسحاب التدريجي من العراق.

ثالثا، الخطة في منزلة بين المنزلتين ولا يعرف مدى نجاحها أو فشلها، ولكنها تحتاج إلى تضامن الحزبين لإنقاذ المصالح الأميركية العليا من الانهيار.

الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي أعلن بوضوح رؤيته وحدد خطوات عملية وزمنية للانسحاب من العراق. فالكونغرس يميل إلى تبني وجهة نظر الفشل ويرى أن خطة بوش التي أعلنها في يناير/ كانون الثاني الماضي وصلت إلى طريق مسدود سواء على مستوى المصالحة الداخلية أو على مستوى تأهيل الجيش العراقي وتدريبه على تحمل مسئولياته.

هذه الرؤية السياسية أملت على الكونغرس وضع تصورات ميدانية حددت فترات زمنية للانسحاب تبدأ في الخريف وتنتهي في ربيع العام المقبل. أي أن الكونغرس أمهل بوش نحو ستة أشهر بين تقديم تقريره في سبتمبر والبدء في تنفيذ خطة الانسحاب أو على الأقل تجميع القوات في قواعد عسكرية ومهابط طيران.

بوش رد على توصيات الكونغرس وهدد باستخدام فيتو الرئاسة (حق النقض) في حال قرر الحزب الديمقراطي الاستمرار في سياسة حشر الإدارة في زاوية ضيقة. فالرئيس الأميركي وجد في تحدي الكونغرس محاولة للضغط عليه معتبرا أن إجباره على وضع جدول زمني للانسحاب، شرطا لدعمه في الموازنة، سياسة حزبية تضر بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وتشجع تنظيم «القاعدة» على تطوير هجومه وتأسيس دولة في جزء من العراق.

مشكلة بوش الآن ليست في فشل سياسة التخويف والتهويل من عواقب الانسحاب السريع من بلاد الرافدين وإنما أصبحت في سباق مع الزمن وعجزه في إقناع خصومة بصحة استراتيجيته واحتمال نجاحها في الأمد المنظور. فأقصى ما يمكن أن يفعله بوش هو شراء المزيد من الوقت مستفيدا من صلاحيات الرئاسة التي تجيز له تعطيل قرارات وتوصيات الكونغرس. ولكن مدى التعطيل لا يمكن أن يستمر من دون ثمن سياسي داخلي في سنة تشهد خلالها الولايات المتحدة معركة عنيفة على الرئاسة.

أقصى ما يمكن أن يفعله بوش هو تأخير الانسحاب أو تجميع القوات إلى خريف العام المقبل. ولكن سيكون للعام 2008 دوره الحاسم في تحديد وجهات النظر وكسر التوازنات الحزبية لهذا الطرف أو ذاك في انتخابات الرئاسة.

هل يستطيع بوش كسب الوقت عبر الاستمرار في سياسة التخويف والتهويل من العواقب السلبية للانسحاب السريع أو التجميع؟ حتى الآن تبدو تلك السياسة ناجحة في حدود نسبية، ولكنها لن تقوى على الاستمرار في المسار نفسه بعد ثلاثة أشهر؛ لأن بوش لا يستطيع معاندة الواقع وتجاهل الأخطاء والفشل إلى ما لا نهاية. لذلك يرجح أن يلجأ بوش إلى خطة تسوية مع الكونغرس يؤكد فيها استعداده للانسحاب أو التجميع من دون وضع جدول زمني واضح في خطواته.

مجرد التلميح بالاستعداد للانسحاب أو تجميع القوات يعتبر بداية تراجع في سياسة الهجوم التي اعتمدتها إدارة بوش منذ نحو ست سنوات. وهذا يعني أن تلك الخطوة الناتجة عن ضغوط داخلية سيكون لها انعكاساتها الخارجية على مجموعة ملفات ساخنة تم تدويلها في السنوات الخمس الماضية.

العراق هو الأساس في الاستراتيجية الأميركية الآن. وحين يبدأ التعديل أو التغيير في حجر الأساس لابد أن يبدأ البنيان كله في التبدل والسير في اتجاه ليس بالضرورة أن يكون على النهج نفسه. فالتدويل الذي حصل لأزمات الشريط (الهلال) ربط الملفات كلها من أفغانستان إلى السودان في دائرة استراتيجية واحدة. وحين تبدأ حلقة بالتفكك فمعنى ذلك أن حلقات السلسلة ستندفع بالاتجاه نفسه.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً