العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

منتدون: هبوط مؤشرات البحرين نلمسه من التعدي على خليج توبلي وانتشار الفساد

في ندوة «الوسط» عن تقرير مؤشرات الحكم الصالح (1)

أصدر البنك الدولي في 10 يوليو/ تموز الجاري مؤشرات الحكم الصالح للعام 2006 لأكثر من 200 دولة عضو في الأمم المتحدة، إذ يعتمد «البنك» على هذه المؤشرات لقياس القدرة على تفعيل برامج التنمية المستدامة من خلال ضبط الفساد، وافساح المجال للتمثيل السياسي ومحاسبة المسئولين، والاستقرار السياسي وجودة الاجراءات، وحكم القانون، وفاعلية الحكومة.

وشخص تقرير البنك الدولي هذه المؤشرات بالنسبة إلى البحرين، وخلص إلى أنها جميعا نزلت عن المستوى الذي كانت عليه البحرين في الاعوام الماضية، بل إن البحرين احتلت مرتبات منخفضة مقارنة بدول المنطقة.

وقال المنتدون في ندوة «الوسط» عن مؤشرات الحكم الصالح إن هبوط مؤشرات البحرين في العام 2006 واقع نلمسه من التعدي على المال العام، ومن تجاوز 12 قانونا وقرارا بشأن خليج توبلي. حكم القانون وضبط الفساد وفاعلية الحكومة وصلت الى الصفر في خليج توبلي، ووصلت الى الصفر في الوقوف امام مخالف المالكية وكذلك في شتى القضايا اليومية التي يعيشها الوطن، ووصل الامر الى أن المخالفات والفساد تمارس بعلانية من دون خشية من العقاب ومن دون أي اعتبار لوجود برلمان أو غير برلمان، ويضاف الى ذلك ما تقوم به مؤسسات الدولة مثل وزارة التنمية الاجتماعية من مضايقات للمجتمع المدني بهدف اطباق الخناق على اي نشاط خارج اطار اتجاهات معينة، ويضاف الى ذلك إلغاء برلمان الشباب من قبل جهات معروفة خوفا من تمكين شباب البحرين واعدادهم للمستقبل، فضلا عن عرقلة دور البرلمان ومنعه من مراقبة الاشخاص ومحاسبة الوزراء الذين تدور حولهم مختلف انواع الشبهات.

تقرير البنك الدولي قال إن محاربة الفساد والشفافية أساسان للحكم الصالح ولا يمكن التنازل عن مثل هذا الأمر، وإن التنمية من دون شفافية ومن دون ضبط للفساد ومن دون حكم للقانون يطبق على الجميع أمر غير ممكن.

ولم تكن البحرين بعيدة عن هذا الاستنتاج فبعد تسجيلها مؤشرات جيدة نسبيا في العام 2002 بعد تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك تراجعت في جميع المؤشرات التي سجلتها خلال العام 2006 مقارنة بالاعوام التي سبقت منذ المشروع الاصلاحي، ما يطرح سؤال جدي عن مدى امكان تطوير الإصلاحات السياسية والادارية للاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية بعيدة المدى (المستدامة).

وتوقع المنتدون في منتدى «الوسط» عن مؤشرات الحكم الصالح، أن تخسر البحرين على الاقل مليار دولار سنويا بسبب الفساد المالي الذي يتسرب إلى الجيوب الخاصة بدلا من ضخه في برامج التنمية، وأن اكثر من هذا المال يتم هدره في مشروعات تفتقر إلى البنية التحتية بسبب عدم وجود تخطيط سليم وبسبب تنفُّذ أصحاب المصالح الخاصة.

ما الذي حدث خلال هذه الفترة؟ ولماذا تراجعت البحرين؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه الندوة التي استضفنا خلالها نائب الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي ونائب رئيس الهيئة المركزية لجمعية العمل الديمقراطي عبدالله جناحي، إلى جانب عضو جمعية الشفافية البحرينية خليل يوسف والنائبين من كتلة الوفاق جاسم حسين وعبدالجليل خليل.

الشفافية من أسس الحكم الصالح

الأخ عبدالله الدرازي، هل لك أن تطلعنا على المعايير التي وضعها البنك الدولي لقياس الحكم الصالح والهدف من إصدار هذا التقرير بصورة دورية؟

- الدرازي: يقاس الحكم الصالح من خلال الفاعلية في اتخاذ القرار السليم وتطبيق القرارات أو عدم تطبيقها، وعملية تسيير الامور تأتي من خلال قنوات مختلفة على مستوى الدولة سواء من خلال قوانين السلطة التشريعية أو قرارات السلطة التنفيذية أو مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بدور المراقب لعملية اتخاذ القرارات. وبالتالي فإن الحكم الصالح يقاس من خلال مؤشرات معينة من بينها قدرة الدولة على خدمة الصالح العام والالتزام بخدمة الصالح العام والشفافية والمساءلة وهي من أهم شروط الحكم الصالح.

كما يقاس الحكم الصالح بقدرة الناس على الوصول إلى المعلومات، وكما هو معروف فإنه ليس في البحرين قانون يضمن حرية الوصول إلى المعلومات كما هو المعمول به في الدول المتقدمة والديمقراطية، ومسألة أخرى هي سلطة القانون ومدى تطبيقه؛ فإن كان الدستور قد عطل في فترة امن الدولة فإنه إن طبق في الوقت الحالي فلا يطبق على الجميع وإنما هناك تمييز في تطبيق القانون.

والنقطة الأخرى التي تتضمنها مؤشرات الحكم الصالح هي المشاركة في اتخاذ القرار من خلال قنوات مؤسسية تمثل الشعب عن طريق البرلمان والانتخابات وحرية هذه المشاركة وعدم تدخل السلطة التنفيذية في هذه المشاركة والتأثير عليها.

كما أن مسألة رأس المال الاجتماعي هي نقطة مهمة في هذا الموضوع وهي تتضمن مقدار حرية مؤسسات المجتمع المدني في التحرك وحرية النشطاء في التحرك. فمثلا في الوقت الجاري قامت وزارة الصحة التي تمثل السلطة التنفيذية بتشكيل لجنة تحقيق مع رئيس جمعية الأطباء البحرينية عبدالله العجمي وهو يعتبر من النشطاء في المجتمع المدني ومن المفترض أن يكون من حقه التحرك وعندما تعاون مع لجنة التحقيق البرلمانية ولكونه رئيس الجمعية (مجتمع مدني) لم يعجب ذلك وزارة الصحة وشكلت لجنة للتحقيق معه باعتباره استشاريا في مجمع السلمانية الطبي وليس رئيسا للجمعية. هذه نماذج لحالات يمكن من خلالها معرفة كيف تقوم الدولة بتطبيق الحكم الصالح.

الفساد يكلف الدول مليارات الدولارات

وما هدف البنك الدولي من إصدار تقرير الحكم الصالح بشكل سنوي؟

- الدرازي: البنك الدولي يقوم بتقييم مستويات التنمية في جميع البلدان، كما يقدم قروضا لكثير من الدول ولنأخذ مثلا الدول الإفريقية التي ينتشر الفساد فيها بشكل كبير، ما يكلف خزائن هذه الدول مليارات الدولارات التي تذهب عن طريق الرشا وذلك ينطبق أيضا على معظم الدول النامية، وبالتالي فإن البنك الدولي عندما يضع هذه المؤشرات فإنه يهدف من وراء ذلك إلى مساعدة هذه الدول للتغلب على هدر المال العام. وكذلك فإن البنك الدولي عندما يريد أن يقدم قرضا لأي دولة فإنه ينظر إلى هذه المعايير ومدى تطبيقها في الدولة التي تتقدم للحصول على القرض.

استمرار الإصلاح والحكم الصالح

عبدالله جناحي، لقد تراجعت البحرين في جميع المؤشرات الستة عن العام 2002، فهل تلمس هذا التراجع على ارض الواقع؟

- جناحي: قبل الإجابة عن هذا السؤال أود توضيح السبب في قيام البنك الدولي بوضع الحكم الصالح ضمن معاييره لتقديم القروض للدول. ففي العام 1996 بدأ الهجوم على سياسات البنك الدولي نتيجة فشل سياساته الاقتصادية التي فرضها على عدد من دول أميركا اللاتينية وبالذات برامج التخصيص وسحب الدعم عن السلع وغيرها، ومع انهيار المعسكر الاشتراكي أصبح لا يوجد مبرر ايديولوجي للدفاع الفاضح للنظام الرأسمالي الذي كان يطرحه البنك الدولي. وفي العام 1996 وخلال اجتماعات «البنك» في واشنطن تم طرح مبدأ الحكم الصالح لأول مرة ووقفت جميع الدول النامية ضد إدخال هذا المعيار غير الاقتصادي.

إن دخول هذا المبدأ تم من خلال ضغوط مورست من قبل برامج الأمم المتحدة التي أصرت على ضرورة إعطاء البعد الاجتماعي لأية عمليات اقتصادية مؤلمة مثل سياسات التخصيص. وفي هذا الوقت بدأت جولات مناقشات منظمة التجارة العالمية تطرح قضايا مرتبطة بالشرط الاجتماعي أيضا كمعيار حق التنظيم النقابي وحظر عمالة الأطفال وجملة من المعايير غير التجارية كشروط أساسية لعمليات التبادل التجاري.

ووقفت الدول النامية ضد ذلك أيضا، لذلك حولت هذه المعايير إلى منظمة العمل الدولية وهي الآن تتابع بشكل سنوي من خلال هيئة تنسيقية شكلت من منظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية لتنفيذ هذه المبادئ الأربعة، وهي: عمالة الأطفال وحق التنظيم النقابي وعدم التمييز في العمل والعمل الجبري. كما شكلت هيئة تنسيقية أخرى بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لمتابعة المبادئ ذات العلاقة بالقضايا غير الاقتصادية أو التجارية، وفيما يخص الحكم الصالح فإن البنك الدولي، ومنذ العام 1996 أصبح يراعي في أية عملية تمويل أو إقراض جملة من القضايا مثل المشاركة السياسية والحقوق النقابية وحرية الأحزاب ومساحة الحرية السياسية داخل الدولة وأيضا موضوع عمالة الأطفال والشفافية وقضايا الفساد.

وبالحديث عن البحرين، فإننا إن كنا بدأنا المشروع الإصلاحي في العام 2001 بالتصويت على ميثاق العمل الوطني فإنه بعد هذا الوقت يجب أن نسأل: هل أن النظام السياسي عندما طرح هذا المشروع طرحه لكي يستمر أو أنه كان ضمن أجندة معينة ليتوقف عند حد معين؟ وهذا السؤال مهم جدا لكي نعرف هل أن هذا المشروع الإصلاحي يريد الإصلاح الحقيقي أو يريد الترقيع؟

إن أي مشروع إصلاحي في أي مجتمع يجب أن تكون له متطلبات، فلا يمكن تنفيذ أي مشروع إصلاحي بعقول قديمة ترفض الإصلاح، فجميع المجتمعات التي انتقلت من الشمولية إلى الديمقراطية تغيرت معها الإدارة العامة. وفي جميع سياسات المجتمعات الديمقراطية عند طرح أي استراتيجية أو أي نظرية اقتصادية فإن أول خطوة يجب اتخاذها هي تغيير من لا يقتنع بتنفيذ هذا المشروع؛ فمثلا الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان عندما طرح نظرية «تريد مان» وأراد تحرير السوق وتخفيض الضرائب على أصحاب الأعمال كانت هناك كثرة من الاقتصاديين الذين كانوا يمسكون بالإدارة الاقتصادية تم عزلهم وأتي بأشخاص مؤمنين بالنظرية الجديدة وهذا ما لم يحدث في البحرين.

تراكمية تجربة الإصلاح

النقطة الأخرى: أين سقف المشروع الإصلاحي؟ فالمشروع الإصلاحي مشروع تراكمي... جيد، ولكن إن بدأنا بتبيض السجون وإلغاء قانون أمن الدولة وإعطاء مساحة من الحرية وإصدار دستور غير متفق عليه... فماذا بعد ذلك؟ إن كل ذلك ليس المشروع الإصلاحي كله. فالمجتمع دائما يطالب بالمزيد؛ فعندما نحقق خطوة نطالب بخطوة أخرى. فهل النظام السياسي مقتنع بهذه المنهجية أو أن لديه سقفا احمر لا يمكن تخطيه. عندما نفتح باب الإصلاح فإن ذلك يعني أننا نحقق شيئا ومن ثم نضغط من اجل تحقيق المزيد.

وارى أن من ضمن السقف الذي وضعه النظام فتح ملف الفساد، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يحاسب الحكم أي مفسد مع أن العشرات من السرقات ارتكبت بحق المال العام من أفراد متنفذين داخل الوزارات وكل ما حدث أن هؤلاء الأشخاص أبعدوا عن مراكزهم، حتى أن البعض منهم تمت ترقيته ولكن لم يحاسب احد.

إن هذا الملف مرتبط بمسألة فهمنا لرؤية النظام للمشروع الإصلاحي، وما تفضل به عبدالله الدرازي هو جزء من النظرة أيضا فإن أردنا أن نحقق إصلاحا فإن هذا الإصلاح يتطلب القضاء على الفساد من اجل أن تستمر التنمية ولذلك يجب أن تكون الشفافية احد المبادئ الرئيسية، كما أن الشفافية تتطلب قوانين منها قانون حق الاطلاع على المعلومات وهذا جزء مهم يرفض النظام السياسي تحقيقه. فأي موظف في أي إدارة إذا اكتشف حال فساد في إدارته فإنه يخاف أن يكشف ذلك بسبب عدم وجود قانون.

لا توجد لدينا خطة استراتيجية

جميع المجتمعات تضع استراتيجية لها لـ 20 عاما مقبلة ولكننا في البحرين لا توجد لدينا استراتيجية ولو لسنة واحدة لا على الصعيد السياسي ولا على الصعيد الاقتصادي. وبالتالي يحق لنا السؤال: هل هناك نية جادة لتطبيق جميع المتطلبات المطروحة كمعايير سواء في البنك الدولي أو في منظمة التجارة العالمية أو منظمة العمل الدولية؟

بعض الإصلاحات بدأت تنحرف

في الفترة السابقة كان الحديث يدور بشكل كبير حول إصلاح الاقتصاد وإصلاح التعليم والتدريب وقد خفت هذا الحديث كثيرا مع إعلان تطبيق إصلاحات سوق العمل والتي أفرغت من محتواها بعد ضغط رجال الأعمال، فهل يعني ذلك أن هذه الإصلاحات تم تجاهلها؟

- خليل يوسف: بعض الإصلاحات بدأت تنحرف عن مسارها الصحيح. ولنأخذ مثلا ملف الفساد الذي لم يتم التعامل معه بجدية حتى الآن مع الأسف، فبرنامج الحكومة المعلن في الفصل التشريعي الأول والفصل التشريعي الثاني لم يتضمن كلمة واحدة عن وجود برنامج لمواجهة الفساد بل بالعكس لا يوجد اعتراف صريح بأن هناك فسادا في البلد. نأتي إلى تقارير ديوان الرقابة المالية والتي يتم الرد عليها بأن الحكومة ستنظر في الملاحظات... فكل ما تتضمنه تقارير الرقابة المالية من تجاوزات فاضحة يتم التعامل معها كملاحظات، ولا نعرف كيفية التعاطي مع هذه الملاحظات وكيف تعاملت أجهزة الدولة مع هذه الخروقات ويأتي التقرير الثاني والتقرير الثالث والرابع بالملاحظات والمآخذ السابقة نفسها.

البحرين لم تصدق على «مكافحة الفساد»

وفيما يخص الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد فحكومة البحرين وقعت هذه الاتفاقات في فبراير/ شباط العام 2005، وحتى الآن لم تصدق البحرين على هذه الاتفاقات بل بالعكس يصرح احد الوزراء بأن «التوقيع لا يعني المصادقة ونحن غير ملزمين حتى وان كنا وقعنا». إذا، لماذا تم التوقيع من الأساس؟ هل لأن ذلك كان في فترة فورة الإصلاحات ليتم تبني شعارات نجد بعد فترة أنها فارغة المضمون؟

وللأسف فإنه لم يتم طرح أية مشروعات بقوانين لمكافحة الفساد سواء على صعيد البرلمان أو السلطة التنفيذية، مثلا «من أين لك هذا؟» أو «ديوان الرقابة المالية وتبعيته»، إذ من المفترض أن يكون تابعا للمجلس النيابي الذي يمثل السلطة الرقابية، وعلى رغم ما بذل في هذه التقارير من جهد ملموس وحرفية عالية فإن ذلك لا ينفي أهمية تبعيته للرقابة الشعبية، أضف إلى ذلك ديوان الرقابة الإدارية الذي نص عليه ميثاق العمل الوطني كما أن جلالة الملك وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2005 قد أعلن أنه اصدر أمرا بإنشاء هذا الديوان كديوان مستقل «وصولا إلى المزيد من الكفاءة والإنتاج والنزاهة والشفافية». وهذا كلام جلالة الملك ولكن حتى الآن لم يتم إنشاء هذا الديوان بل بالعكس هناك عراقيل مفتعلة ويخرج لنا من يصرح بأنه «سيتم إنشاء جهاز للرقابة الإدارية يتبع مجلس الوزراء»، وذلك لتمييع المشروع.

لا جدية في التعاطي مع قضايا الفساد

نشعر أنه ليست هناك جدية في التعاطي. ومثلما ذكر الأخ عبدالله جناحي فإن رموز الفساد والكثير ممن تحوم حولهم الشبهات هم الذين يتصدرون ويبقون في مناصبهم، ولم تحل أية قضية فساد إلى المحاكم، ما يشعرك بوجود نوع من التواطؤ والتستر، هل يمكن أن يكون ذلك خوفا من الإساءة إلى الحكومة؟ بالعكس فإن ذلك سيعد كسبا يحسب في رصيد الحكومة. إن هذه النقاط هي التي تثبت مدى جدية الحكومة في إرساء قواعد الحكم الصالح.

تراجع مؤشرات البحرين

عبدالجليل خليل، تراجع مؤشر البحرين فيما يخص التمثيل السياسي والمحاسبة في حين تطرح القوى السياسية وخصوصا الممثلة في البرلمان أهمية إجراء التعديلات الدستورية، إلى أي مدى تؤثر قضية صلاحيات مجلس النواب في ذلك؟

- خليل: قبل الإجابة على هذا السؤال لدي تعقيب على ما ذكره الإخوان. إن المؤشرات الستة التي وضعها البنك الدولي هي لتسليط الضوء على ما يجري في كل دولة وليست لدينا في البحرين أدوات لتقييم الإصلاح الذي انطلق في العام 2001. إن هذه المؤشرات المطروحة وبعيدا عن الحراك الداخلي في البحرين تعتبر صورة مكبرة عما يجري في الداخل. فهل فعلا أن من يطالبون بالإصلاح داخل البحرين مخطئون؟ وهل أن العملية الإصلاحية تسير كما رسم لها وظلت كما كانت كمبادرة جريئة طرحها جلالة الملك؟ وإلا أين نحن سائرون؟

ومن دون الحديث عن أهداف ونية البنك الدولي من إصدار هذا التقرير (لقد رجعت توا من فيينا وكان هناك جدل كبير وخصوصا من الدول الإفريقية بشأن دور الأمم المتحدة في وضع الأجندات الإصلاحية في هذه الدول على اعتبار أنها تضخ أموالا كبيرة فيها)، فعندما نناقش هذه المعايير فإننا نأخذها كمعايير مجردة ولا نرى من خلالها أية غرابة، وأؤكد أن النشطاء السياسيين في البحرين لن يتفاجأوا بالنتائج التي خرج بها التقرير فيما يخص البحرين، فكلنا كنشطاء سياسيين ومراقبين ومتابعين نشعر بإحباط من العملية السياسية.

من خلال التقييم في هذا التقرير فإن البحرين تأتي في المرتبة الرابعة كمتوسط بين دول الخليج بعد الإمارات وقطر والكويت وعمان ففي بعض الحالات تحتل الموقع الرابع وفي بعضها تحتل الموقع الخامس. وأظن أنها فرصة جيدة للحكم والحكومة لمراجعة خطواتها. هناك انحدار في جميع المؤشرات منذ العام 2002 حتى الآن، وهناك تراجع ملحوظ ويتيح لنا قراءة أن الحكم ربما كان هدفه الوصول إلى مرحلة معينة وقد وصل إلى هذه المرحلة وبدأ الآن في التراجع، هل فعلا أن هدف الحكم أن يمرر بعض الإصلاحات الترقيعية وبعدها يتراجع ليصل إلى اقل من الدول الخليجية. إن ذلك يعد رسالة فاضحة وكاشفة للعملية الإصلاحية التي انطلقت في العام 2002، كما أن ذلك يمثل درسا يجب الالتفات إليه... لقد فرغت المشروعات الإصلاحية فعلا.

الحديث الآن عن الفساد يعتبر حديثا وشعارا فارغا، وأتصور أن المعارضة والقوى الممانعة والنشطاء السياسيين تحركوا بشكل معقول ومنطقي وتماشى مع المبادرات التي أطلقها جلالة الملك في 2002، وعلى رغم أنه توجد خلافات وملاحظات على كثير من التوجهات، فإن الجميع دخل في عملية الإصلاحات سواء عن طريق مؤسسات المجتمع المدني أو عن طريق البرلمان... والدولة هي المسئولة عن عملية الإصلاح على رغم وجود أطراف أخرى.

خليج توبلي وتراجع الحكم الصالح

لدينا اليوم مثلا خليج توبلي وهو محمية طبيعية بقرار من الأمم المتحدة كما أنه محمية طبيعية بمرسوم من جلالة الملك في حين تباع أراضيه في وضح النهار، أين تطبيق حكم القانون؟ وكيف يصدر مجلس الوزراء قبل ثلاثة اسابيع قرارا آخر (ربما هو القرار العاشر أو اكثر) لحماية الخليح بينما هناك عروض لبيع مساحات بحر خليج توبلي ومساحات بحرية محاذية لجسر سترة وسيتم ردم الخليج فيما لو تمت عمليات البيع التي يريدون تمريرها الآن وفي فترة الصيف اثناء هدوء العمل السياسي والبرلماني وبعد ذلك يصبح الواقع السيئ هو الحَكم، بل إنهم يرمون القاذورات في الخليج، وبعد ذلك سيطالب الناس بدفنه بسبب الروائح ويتحقق كسر عشرات القوانين والقرارات... أليس هذا هو تكسير لفاعلية الحكومة؟ وأليس هذا هو انعدام القدرة على ضبط الفساد؟ إذا استمر هذا الوضع فإن البحرين ستتراجع وستكون في آخر المشهد الخليجي.

كيفية بناء الثقة مع الحكومات

عندما كنت أخيرا في فيينا تم طرح سؤال عن كيفية بناء الثقة في الحكومات، وشارك في المؤتمر رؤساء حكومات ووزراء وكان الحديث صريحا جدا عن كيفية إقناع المواطنين بإعطاء ثقتهم للحكومة بغير المساءلة والمحاسبة وتعزيز الشفافية وحرية الإعلام والاتصال مع الناس، واذكر أنه في ختام إحدى الجلسات تم توجيه سؤال لعدد من الموجودين على المنصة عن توصيتهم كرؤساء للحكومات في كلمة واحدة فأجاب احدهم بالاستماع إلى الناس فيما أجاب رئيس آخر بالتواصل مع الناس وقال آخر إن نشركهم، ولذلك اختصرت مديرة الجلسة أهم التوصيات إلى الحكومات هي أن تستمع وأن تتحاور مع المواطنين وأن تشركهم في القرارات.

وفيما يخص دور النواب، لقد دخلت كتلة الوفاق إلى البرلمان من خلال إيقاع معين ووضعنا بعض الملاحظات وكنا نعي أن عملية الإصلاح لا تأتي دفعة واحدة ولكن يجب أن يكون هذا التدرج البطيء منظما. أتصور أن جميع الناس سيقبلون أن تسير العملية الإصلاحية بعشرين أو ثلاثين في المئة ولكن ليس أن تكون العملية بخطوة للأمام وخطوتين إلى الخلف.

... (يتبع)

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً