العدد 1774 - الأحد 15 يوليو 2007م الموافق 29 جمادى الآخرة 1428هـ

أزمة الدولار (3/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ظل الكثير من الناس يسألون عن السبب الذي يمنع الدولار من الانهيار حتى الآن. تُرى هل تجد الولايات المتحدة نفسها ذات يوم مضطرة إلى تسديد فاتورة العجز التجاري الهائل الذي تعانيه منذ ما يزيد على عقد من الزمان؟ إذا ما أضفنا أقساط الفوائد المترتبة على العجز السابق، فإن مبلغ العجز عن العام 2006 فقط يتجاوز 800 مليار دولار ـ أو ما يقرب من 6.5 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي للولايات المتحدة. فضلا عن ذلك فقد تجاوز اقتراض الولايات المتحدة الآن ثلثي إجمالي مدخرات جميع دول العالم التي تحقق فائضا تجاريا، بما في ذلك الصين، واليابان، وألمانيا، ودول منظمة الدول المصدرة للنفط.

لكن الشيء الذي لم يحظ بما يستحق من الاهتمام أو الدراسة هو انعكاسات هبوط الدولار على اقتصادات الدول النامية، التي من بينها دول عربية. فلو أخذنا الأردن على سبيل المثال سنجد أنه حذر حديثا خبراء اقتصاديون من الانعكاسات السلبية لاستمرار تراجع الدولار أمام العملات الأخرى على الاقتصاد الأردني المرتبط بالتزامات مع دول أوروبا التي تتعامل باليورو، واليابان التي تتعامل بالين، وهما العملتان اللتان واصلتا ارتفاعهما وسط موجة الانخفاض التي يواصلها الدولار.

ويرى المحلل المالي المحامي غسان معمر أن «فقدان الدولار جزءا من قيمته يعني فقدان الدينار الأردني القيمة نفسها أمام العملات الأخرى»، مشيرا الى أن تأثيرات هذا الانخفاض في الأردن سلبية في تعاملاته مع دول الاتحاد الأوروبي واليابان، فيما قد يكون إيجابيّا في التعاملات الاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة.

وبحسب معمر، فإن أكثر المتضررين من استمرار مسلسل انخفاض الدولار هي المديونية الأردنية التي تشير البيانات الرسمية لوزارة المالية إلى أنها تجاوزت حدود (9.6) مليارات دينار أردني، وهو رقم قياسي وفقا لمراقبين، ويشير معمر الى أن كون أكثر من (50 في المئة) من مديونية الأردن مصدرها اوروبا واليابان فان ذلك يعني أن هذه المديونية ستواصل زيادتها طالما استمر اليورو في الارتفاع بفضل استمرار انخفاض الدولار.

ويؤيد ما ذهب اليه معمر ما اعلنه وزير المالية محمد ابو حمور في أكثر من مناسبة حديثا من أن انخفاض الدولار وصعود اليورو زاد من حجم المديونية الأردنية بمقدار مليار دولار تقريبا، وهو مؤشر الى أن محاولات الأردن للتخلص من عبء المديونية يصطدم بخياره الاستراتيجي باستمرار الربط بين الدينار والدولار وعدم العودة الى سياسة «سلة العملات» التي كان الأردن ينتهجها.

أما على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الدولار الأميركي يمارس الدور الأساسي في تحديد معدلات صرف عملات الدول الخليجية بالنسبة إلى عملات الدول الأخرى وخصوصا منذ العام 2003 إذ انضمت الكويت الى منظومة المثبت المشترك لعملات الدول الخليجية، والمتمثل في الدولار الأميركي، وذلك تمهيدا لاصدار العملة الموحدة.

وكان من المفترض ان تحافظ الدول الخليجية على ربط عملاتها بالدولار إلى حين انطلاق العملة الخليجية الموحدة في المستقبل. غير أن الكويت في 20 مايو/ حزيران 2007 أعلنت فك ارتباط عملتها بالدولار، والعودة الى نظام سلة العملات لعدم رغبة السلطات النقدية في استمرار الربط وتحمل ضغوط تضخمية ناجمة عن الانخفاض المستمر للدولار قبل العملات الدولية، وخصوصا اليورو. ومن ثم فان هناك تصاعدا في وجهات النظر بشأن ضرورة ترك الدول الخليجية للدولار مثبتا واللجوء الى نظام آخر مثل سلة العملات كما هو المتبع بالنسبة إلى الدينار الكويتي.

ووفقا لبيانات دويتشه بنك فقد قفز التضخم في الخليج الى 5.15 في المئة في مارس /اذار الماضي مقارنة مع المتوسط التاريخي البالغ أقل من 2 في المئة. واثار هبوط الدولار الأميركي وارتفاع التضخم التكهنات بأن المصارف المركزية في الخليج ستعيد تقويم عملاتها المرتبطة بالدولار لحماية اقتصاداتها من ارتفاع كلفة بعض الواردات.

وألقت الكويت باللوم في تنامي التضخم على هبوط الدولار الذي انخفض الى مستوى قياسي أمام اليورو في ابريل/نيسان. وأوردت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) تقريرا في مارس ذكر أن ربط العملة الكويتية بالدولار يعتبر مصدر متاعب.

هنا لابد من التأكيد أن قوة العملات لا تعكس بالضرورة التفوق الاقتصادي، إذ يخطئ من يظن أن هبوط قيمة الدولار الأميركي قد يضر الاميركيين بالمطلق، بل على العكس، فإن تراجع العملة الخضراء ستكون له فوائد عظمى للاقتصاد الأميركي، إذ ان هبوط الدولار سيساهم في موازنة التراجع في أسعار العقارات. والساسة في أميركا، يدركون ذلك جيدا لذلك فإن جميعهم رحب بهبوط قيمة الدولار.

وبحسب أناتول كاليتسكي أحد أهم المحللين الاقتصاديين في صحيفة «التايمز» البريطانية، فإن ارتفاع اليورو والاسترليني، يقلق المصدرين في أوروبا، لأنه يجعل صادراتهم أغلى في الخارج ويقلل من أرباحهم.

ولعل خير ما نختتم به هنا هو سؤال أناتول كاليتسكي، عما اذا كان الهروب من الدولار في الأسواق المالية، هو مؤشر على التراجع النسبي للولايات المتحدة نفسها؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1774 - الأحد 15 يوليو 2007م الموافق 29 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً