العدد 1774 - الأحد 15 يوليو 2007م الموافق 29 جمادى الآخرة 1428هـ

عروبة البحرين وسيادتها بين «إيران» و«كيهان»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

ما أثاره السيد حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى الإيراني في مقاله بصحيفة «كيهان» الإيرانية بشأن تبعية البحرين التاريخية للأراضي الإيرانية واعتبارها مقاطعة إيرانية سليبة بسبب مساومات شاهنشاهية تاريخية مع بريطانيا وأميركا جاء من جديد ليشعل فتيل التوتر الاستراتيجي التاريخي مرة أخرى بين البحرين وجارتها وشقيقتها الكبرى إيران. بل هو زاد من التراكمات التاريخية لهواجس النفور والخصومة التي بات يستشعر جدليتها الشعب البحريني تجاه هذا الجار الكبير والشقيقة الكبرى ضمن المنظومة الإسلامية، والقوة القومية الإقليمية العظمى بعد تدمير القوة العراقية شر تدمير، وظلت أطماعه التاريخية المعلنة منذ أيام العهد الشاهنشاهي المقبور ومرورا بعهد «الثورة الإسلامية» الحالي الذي فيما يبدو لم تتغير من خلاله الأوعية المصلحية القومية الصلبة ذاتها التي لاتزال تصنع من خلالها الاستراتيجية الإيرانية وتسبك سياساتها إقليميا وعالميا، وكأنما الوجه الاستراتيجي والسياسي ذاته لم يتبدل ويتغير وإن تغيرت الأصباغ والأقنعة!

فمنذ دعاوى «تصدير الثورة الإيرانية» التي رجّت دول المنطقة وزلزلت استقرارها الوطني بنزعات أيديولوجية طائفية، وأخرى ترى في مشروع هذه الثورة ملهمها ومخلصها، ولايزال مسلسل التأزيم مستمرا عبر قضية جزر «طنب الكبرى» و»طنب الصغرى» و»أبوموسى» التي تبدي فيها الجمهورية الإسلامية حزما وصرامة وكبرياء يرفض التفاوض أو الاحتكام إلى المحكمة الدولية بشأنها، وحتى التواطؤ الإيراني مع القوات الأميركية لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان ونظام صدّام حسين في العراق أمام صمت الحملان العربية، وأزمات عابرة حفلت بها سجلات العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين على رغم التحسن الملحوظ في العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، ونذكر منها أزمة لوحة خالد الهاشمي الكاريكاتيرية وما وجهت به من تصعيدات إيرانية رسمية تم احتواؤها لاحقا، بالإضافة إلى أزمة مباراة البحرين وإيران التاريخية في طهران وما حدث فيها من إساءات حتى أزمة «العقارات» في المحرق وهي الأزمة المصطنعة التي ساهمت في صوغها وتضخيمها إعلاميا جهات داخلية لأغراض مرحلية، وختامها مقال شريعتمداري في صحيفة «كيهان» الإيرانية!

وعلى رغم علاقات الجوار التاريخية والاجتماعية الوطيدة بين البحرين وإيران والهجرات المتبادلة بين كلتا الضفتين وازدهار التجارة بينهما، والزيارات الدينية ورباطات القرابة النسبية والأقوامية المشتركة بين أهل البلدين فإنها جميعا وعلى رغم فائضها الحيوي لم تتمكن من تلطيف وتلبيث العبثية الاستراتيجية أو تهجيع الهواجس المتوترة لدى البحرينيين تجاه جارتهم الكبرى إيران، وما تثيره من مخاوف تصوغ الرؤية الشعبية والاجتماعية السياسية البحرينية تجاه الجوار الإيراني وأطماعه المعلنة بين آونة وأخرى بمنتهى الاعتزاز والكبرياء، والذي لا يفيد معه أي ترطيب وترحيب ودي رسمي أو زيارات متبادلة بين الطرفين!

فمقال شريعتمداري وعلى رغم محاولة الجانب الإيراني الرسمي التقليل من شأنه باعتباره رأيا صحافيا لا أكثر ولا أقل، ولا يمثل الرؤية الإيرانية الرسمية إلا أنه في الوقت ذاته يأخذ مفعول الشرارة الاستراتيجية الناشبة في حبال الود الدبلوماسي خضوعا لعوامل الحساسية الظرفية الراهنة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والمواجهة الدولية!

إذ لا يتردد الكثير من البحرينيين والخليجيين للأسف من اعتبار «الخطر الإيراني» الذي عادة ما تضيف إليه اصطلاحات تاريخية حضارية بتوظيف سياسي شعبوي كـ «صفوي» و»مجوسي» و»فارسي» هو الخطر الاستراتيجي الأوّل على المنطقة والبحرين الذي لن يتردد في ابتلاع هذه اللؤلؤة الصغيرة الوادعة ليضمها في جعبته على وجه التحديد، فهو يفوق - بحسبهم - وبنسبة كبيرة الخطر الصهيوني الذي لم يعتبر البحرين في يوم من الأيام بمثابة أرض تاريخية أو مستوطنة تابعة، وهو لم يبدِ أكثر من رغبة معلنة في التمكين الاقتصادي والسياسي والعسكري الاستراتيجي في المنطقة، وتوقيع اتفاقات سلام وتطبيع، ما يعني في النهاية خضوعا وانصياعا ودورانا في فلك التبعية الاستراتيجية العمياء وهو بلا شك أفضل من الابتلاع والهضم القروسطي من قبل الأشداق الإيرانية الواسعة!

وتزداد الحيرة والشكوك اتساعا مع وجود صورتين متناقضتين شكليا للنفوذ الإيراني في المنطقة، حيث الصورة الأولى هي صورة قوة قومية وشوفينية عنصرية ذات نزعات استراتيجية إمبريالية وجبروتية مرعبة تجسدها للمتابع والمشاهد تلك الفيالق والميلشيات والألوية المدعومة والمسلحة إيرانيا والتي ترتكب أبشع الجرائم السادية والإبادية في حق أحرار وحرائر العراق، وتعمل بالتعاون مع الاحتلال الصهيوأميركي للعراق على تكريس الصورة الطائفية النمطية لأهداف استراتيجية مصلحية قومية بحتة على حساب استقرار الكيان العراقي المريض، والذي تتقاسم تركته من قبل القوى الإمبريالية الاستكبارية التي انضمت إليها النزعات الإيرانية التوسعية في جنوب العراق بمنتهى العنف والاستئصال الذي ترك عروبته الأصيلة في خبر كان وأخواتها!

في حين هنالك صورة أخرى للجمهورية الإيرانية الإسلامية التي تبرز كقوة ممانعة استراتيجية تدعم صمود وجهاد «حزب الله» في جنوب لبنان وتبادر في تقديم الدعم لحركة «حماس» التي تواطأ عليها الجميع ولم يحترموا شرعيتها الديمقراطية المستحقة!

ومع هذين الصورتين المتضاربتين للعملة الإيرانية الواحدة يزداد شق التأزيم اتساعا حينما يأتي على آخر الزمان مقال لمسئول رفيع المستوى كشريعتمداري الذي يصدم البحرينيين حكومة وشعبا في نوايا جارهم الإمبريالية والتوسعية التي لم يبدلها ويعقلنها، والتي تعكس في ذاتها عقلية ورؤية ونظرة إيرانية قروسطية سائدة ورائجة في أعلى المستويات تسعى للابتلاع والاحتواء كما هو الأمر حاصل في زمان الإمارات والممالك والإقطاعيات المندثرة بدلا من التوافق مع متطلبات انسجام وتجانس استراتيجي يقود إلى تحقيق توفيقات بين الجانبين تكفل الأمن والاستقرار سعيا إلى إقامة تكتلات عصرية في مجالات وحقول اقتصادية واستثمارية تنموية مستقبلية بين الضفتين العربية والإيرانية!

ومهما حاولت الخارجية والرئاسة الإيرانية من التقليل من شأن مقال شريعتمداري وتسخيف ادعاءاته التي تتشابه مع ادعاءات نظام صدّام حسين بتبعية الكويت، إلا أنه ليس ذاك بالأمر الهيّن لكونه أصبح أولا أشبه ما يكون بالهزة مجددا في اللاوعي التاريخي أمرا جدير بالاحتفال لدى قوة «الحلفاء» الدولية المتربصة بإيران عسى أن يضم دول الخليج إلى الأبد تحت ستار ومظلة «الحماية الأمنية والاستراتيجية» الأميركية - الصهيونية، ولا أظن أن البحرينيين المتشبثين والمعتزين بعروبتهم واستقلاليتهم الكيانية سيرتاحون كثيرا للحيرة المرعبة بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية «كيهان» الصحافية الإسلامية الأخرى، فأيهما خيط الدبلوماسية الوردية وأيهما حريق الاستراتيجية التوسعية! ما أثلج صدورنا بحق هو تلك الوقفة الموحدة لمنظمات المجتمع المدني والقيادات الشعبية والنخب ورجال الدين التي أدانت واستنكرت تلك المقالة السخيفة واعتصمت بعروبة واستقلال وسيادة البحرين كثابت وطني لا حيد عنه.

وما أشعرنا بالغثيان هو تحقق توقعاتنا المسبقة بعملية التوظيف السياسي الاستهلاكي الداخلي لابتزاز بعض القوى السياسية ذات النبرة المعارضة وما تحتكره من تمثيل لشارع اجتماعي وسياسي كبير ما سيكسب القضية بعدا طائفيا يزيد من تأزيم الوضع الحالي، وذلك بالإضافة إلى النفخ في البوق «الوطني» الذي أعطى لهذه التصريحات السخيفة حجما أكبر منها بكثير من قبل بعض جمعيات «الغونغو» والمرتزقة و»الناشط السياسي» ممن لا قضايا لديهم، وهؤلاء حتى الآن لم يتوقفوا عن إصدار الشيكات السياسية من أرصدة وطنية، وهو ما يخالف قوانين الاجتماع السياسي السوي!

وأمثال هؤلاء هم أردأ شاكلة ونسخة للطابور الخامس الذي سيزعزع السلم الأهلي والاستقرار الوطني بتوظيفاته السياسية الاستهلاكية ونفخه ومغالاته المصطنعة وابتزازاتهم الفاشية للمواطنين البحرينيين من ذوي الأصول الفارسية كما فعلوا قبلها أثناء تفاعلات قضية العقارات في حالة بوماهر بالمحرق، وليسوا الطابور الخامس من لعب آبائهم وأجدادهم أعظم الدور والأثر في الوقوف مع عروبة البحرين وسيادتها المستقلة من أحفاد الملا رضي آل طوق والسيد علي كمال الدين، وهم وسائر أبناء الوطن سيقفون بإذن الله مع هذه العروبة والاستقلال الوطني بغض النظر عن اختلاف وتماوج الأوضاع المواطنية البحرينية منذ مطلع السبعينات وحتى الآن بين الأمل والألم والتفاؤل والإحباط!

نحن وزملاؤنا نؤكد وحدة الصف الوطني والاعتصام بحبل العروبة والاستقلال، وهم صحافة ونشطاء الردح يؤكدون على المزايدات الفارغة، ويرونقون أعمدة التفتيش الصحافية في ولاءات الناس، وهم لا يكلون من الاستبسال الشعبوي في كيل أقذع الشتائم لشريعتمداري وإيران قيادة وحكومة وشعبا أجمعين، وكأنما بمثل الشتائم وحدها، وأغلبها من السفهاء، ستتحصن عروبة البحرين واستقلالها وستزول إيران من الوجود بعد أن يصاب شريعتمداري بوعكة صحية جرّائها!

فالعبرة يا «جماعة» في احتواء ومعالجة الأزمات بعقلانية وواقعية تضمن المصالح الوطنية بحسب الظرفية الاستراتيجية الراهنة، لا في إشعالها نارا وحريقا بصبيانية مفرطة!

وكأنما بمثل هذا المقال الصحافي السخيف والسفيه لشريعتمداري ستختفي عروبة وسيادة البحرين من الوجود إلى الأبد، فلا خير إذا في بلد وشعب وهوية يتفتتون ويزولون جميعا بأثر رجعي لتصريح أو مقال صحافي!

وعاش مع ذلك هذا الوطن بمناضليه ومرتزقته وجميع مواطنيه!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1774 - الأحد 15 يوليو 2007م الموافق 29 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً