بقيتُ مساء الجمعة أتابع الأخبار حتى الساعة الواحدة من فجر السبت؛ لأتلمس ما أثاره مقال حسين شريعتمدراي في صحيفة «كيهان»، الذي استفز مشاعر البحرينيين جميعا، وأثار غضبهم بلا استثناء.
كبرى الفضائيات العربية والإيرانية لم تورده، حتى الـ (بي بي سي) العربية لم تتوقف عنده، وفي الصباح عقدت جلسة مباحثات رسمية بين وزيري خارجية البلدين، تُوّجت بلقاء سمو ولي العهد بالوزير الإيراني، أكّد خلالها على ضرورة العمل على استقرار المنطقة والتعاون بين دول الجوار، انطلاقا من مبادئ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة بين البلدين. من جانبه أكّد الوزير، وفق ما أوردته وكالة (بنا)، أن بلاده «لم تغيّر موقفها الواضح باعترافها بمملكة البحرين كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة»، و... نقطةٌ على السطر.
هذا المقال المسيئ ولّد ردود فعلٍ طبيعية وبصورةٍ تلقائية، من مختلف التيارات السياسية والقوى الشعبية؛ دون تحشيدٍ مفتعل على طريقة حمالي البنادر، ليكون أبلغ ردٍ على كل محاولات تشويه المواقف وحملات التشكيك في المواقف الوطنية لأهل البحرين. وهي حملاتٌ فاضت حتى وصلت إلى ألسنة بعض الحكّام العرب الذين اتهموا شيعة الخليج بانعدام الولاء لبلدانهم وتبعيتهم لإيران. وهي فريةٌ أول مَن روّجها نظام البعث في حربه الطاحنة ضد إيران.
هذا النظام استغل أموال النفط طوال الثمانينات لشراء كثير من الصحف والمجلات في العالم العربي أو المهجر، (وكان له مجلةٌ أسبوعيةٌ هنا في البحرين) لتزيين سياساته العدوانية. بل إن هذا النظام خلّف الكثير من رسائل التخرّج الجامعية التي أصّلت لمقولات التصادم بين العرب و«الفرس المجوس»، ضمن توجّه عنصري متطرّف، يقابله توجهٌ عنصريٌ لدى بعض التيارات القومية المتطرّفة في إيران، التي تكره كل ما هو عربي. هذه معلوماتٌ بديهيةٌ بالنسبة لمَن ألمّ بشيء من التاريخ الإيراني الحديث، أمّا مَنْ يجهل هذا التاريخ فسيجد نفسه يقتات على مخلفات البعث النظرية، التي حكمتها العقدة النفسية لخير الله طلفاح، الخال الذي تربّى صدّام في حضنه: «إنّ الله أخطأ عندما خلق الفرس واليهود والذباب» (نعوذ بالله من الشطط والخطل والجرأة على الله جلّ جلاله).
من زاوية استراتيجية قومية بحتة، فإن الاتجاه الإسلامي في إيران هو أفضل خيار لنا - نحن العرب- إذا ما قورن بمجيء التيارات القومية المتطرّفة التي تنادي بالعودة إلى الأمجاد الفارسية القديمة. لكن لأننا أمة ضائعة، لا تجيد حتى الحفاظ على مصالحها، وسياستها مختطفة للأجانب الذين يتولون تقرير تحالفاتنا، وتعيين أصدقائنا وأعدائنا، حتى أصبحنا أدواتٍ في الصراع المفتعل ضد «الصفوية» .
نحن لا نبرئ أخطاء وحماقات الآخرين، ولا ندافع عن سياسات الدول الأخرى خصوصا إذا كان فيها ما يمس كرامتنا، ولكن علينا أن نعترف أنه ليس لدينا رؤية «قومية» واضحة، لا في العراق، ولا في فلسطين، ولا في غير فلسطين. وحتى الآن لا ندرك واقعنا وحجمنا الحقيقي، فنحن - العرب- مجرد أقليةٍ في البحر الإسلامي الكبير، تجاورنا دول إسلامية كبيرة في الشرق والشمال والجنوب، وتمثل عمقنا الاستراتيجي: إندونيسيا وباكستان وإيران وتركيا ونيجيريا. أغلبية دولنا العربية لم تفلح خلال ستين عاما في إقامة علاقات صحية معها إلاّ في إطار المحاور والأحلاف الاستعمارية.
المقال السيئ ستذروه الرياح، ولكنه كشف بعض سوءاتنا، فما أسرعنا للوقوع في فخ الفوضى الأميركية، وانسياقنا في مستنقع الفتن والعداوات العنصرية. كما كشف أن البحرينيين لا يقلّون وطنية عن الإيرانيين أو السعوديين أو المصريين... ولعلّها تخرس الأقلام التي اعتاشت عقودا على سلب الوطنية من هذا الشعب الكريم.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1773 - السبت 14 يوليو 2007م الموافق 28 جمادى الآخرة 1428هـ